الأعمال الكاملة

للشاعر عبدالواحد الزهراني

https://abdlwahed.com/wp-content/uploads/2025/09/white_bottom_01-big-size.png
bt_bb_section_bottom_section_coverage_image

قصيدة أبراج التجارة

يوم كنا سنة أولى ثانوي

حين يكتب أ.د عبدالواحد بن سعود الزهراني، لا يكتفي بمخاطبة العاطفة، بل يفتح أبواب الفكر والتأمل.
قصيدة «أبراج التجارة» من النصوص التي كسرت النمط التقليدي للشعر النبطي، فجمعت بين اللغة الشعرية الرفيعة والرؤية التحليلية العميقة لأحداث عالمية شكّلت منعطفًا في التاريخ الحديث.

في هذا النص، يتحدث الشاعر بجرأة ووعي عن ازدواجية الخطاب الغربي، ويدين مظاهر الظلم والرياء باسم الحرية والديمقراطية.
كتب البدع والرد بنفسه، ليحوّل القصيدة إلى حوار داخلي بين الوعي الشعبي والوعي السياسي، بين الصدق والبهرجة، وبين الضحية والجلاد.

البدع
يامن اشغل قلوب الناس وتعلّقت به واشغفت
يامن يزور ما ينزار يالقاضي اللي ما يقاضى
ياللي لا قدّر الله ينقِذ الناس من كُرب النّكير
يا رصيدي ويا باقي نصيبي في الدُنيا وظفري
ودّي ما اشيلك إلاّ فوق كتفي واعلِّق لك وسام
جيتك انخاك ما جيتك ترجِّع سلف وترُدّ عاره
إنّ همّ الفتى قتّال لو كان مِقداره طفيف
ما بقي من حروف الأبجديات لا همزه ولا ياء
قِمت أسلِّم على اصحاب الرخاء ما يرُدُّون السلام
أصبح الطّايش المتهوّر المسرع اوّل من يهودِ
واقدام القُشر ما تِتّزاحم إلاّ على بيت اللبيب
وإحنا نطرب ونتشلبن معا عالمٍ يابوا شلبنا
وإن طلبا العسل حطّوا لنا فالعسل سُمّى هبوش
قلبي أبيض كما ثوبي والأيام غبرا جتّ تجارا
كان راسي صليب وشِفت صخره وناطيّحتها

الرد
أمس وانا مسافر نام قلبي وعيني وِش غفت
أو إنّي ما رقدت وشِفت حِلم ٍ من أحلام اليقاضا
طِحت في قبضة نكير إبن مُنكر ومُنكر بن نكير
حسّيت إنّ اللبان اللي رِضعته خرج من تحت ظِفري
يوم قالوا لنا وِش تِعرفه عن بلاد العمّ سام
قُلت ويش أعرِفه عن جُرّة الخمر عن بيت الدّعارة
والرِّبا والقُمار وغسل الأموال والكيل الطّفيف
دولةٍ وِدّها تِصبِح ولايات والعالم ولايا
دولةٍ تِشعِل العالم حروبٍ وتدعي للسلام
كيف ماقول شيخ البيت الأبيض يهودي بن يهودي
وأكثر أقفال واشُنطُن مفاتيحها في تل أبيب
بوش يرسل علينا بوش من بوش الأب لبوش الإبنى
هكذا كُلّما جاء بوش جاله ولد سمّاه بوش
قالوا وِش يعرف المذكور عن قِصّة أبراج التِّجارة
قُلت وأقسُم بربّ البيت ماهو بنا طيّحتها

 

الأبعاد الفكرية

القصيدة كوثيقة وعي سياسي:
يتخذ الزهراني من «أبراج التجارة» رمزًا لانهيار القيم الإنسانية، لا مجرد حدثٍ مادي. يرى أن سقوط البرجين لم يكن سوى إعلان عن سقوط العدل، وفضح التناقضات في العالم الحديث، الذي يتحدث عن السلام ويمارس الحرب.

البدع بين الرمزية والنقد الاجتماعي:
يبدأ الشاعر بلغةٍ شخصية، تُوهم السامع أنه يتحدث عن عشقٍ أو خيبةٍ عاطفية، لكنه سريعًا يُدخل المتلقي في فضاءٍ رمزي أوسع؛ فـ«القاضي الذي لا يقاضى» هو السلطة العالمية التي تحكم بلا عدل.

الرد كتحليل حضاري:
في الرد، يتخذ الزهراني موقف المفكر لا المندهش؛ فهو يربط بين التاريخ القديم (منذ العم سام إلى أبراج التجارة)، ويرى أن الحضارة الغربية قامت على التناقض بين الشعارات والممارسات.
كما يُظهر وعيًا لافتًا حين يقول: «دولةٍ تِشعِل العالم حروبٍ وتدعي للسلام» — بيت يلخّص فلسفة القوة في زمن الهيمنة.

شجاعة الطرح الشعري:
القصيدة تخرج من دائرة الغزل والفخر إلى ميدان النقد العالمي، وتؤكد أن الشاعر العربي قادر على أن يكون شاهدًا على عصره، لا مجرد راويًا للمشاعر.

قيمة التكرار الفني:
التكرار المقصود لـ«بوش» بين الأب والابن يحمل نغمة ساخرة تعكس وعي الشاعر بأسلوب التوريث السياسي والاستمرار في النهج ذاته، في إيحاءٍ أدبي قوي يوصل الفكرة دون مباشرة.

الخاتمة

قصيدة «أبراج التجارة» ليست مجرد ردٍّ شعري على حدثٍ عالمي، بل تأملٌ في معنى العدالة والهيمنة.
من خلالها يثبت عبدالواحد الزهراني أن الشعر النبطي يمكن أن يتجاوز المحلي إلى العالمي، وأن الكلمة قد تكون أصدق من نشرات الأخبار في كشف زيف الشعارات.
إنها قصيدةٌ تفتح باب الوعي وتترك في الذاكرة أثرًا لا يُمحى، لأنّها كتبت من قلبٍ يرى، لا من لسانٍ يصف.

إترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تم وضع علامة عليها بـ *

الأعلى