هذه القصيدة نافذة على معاناة من اختاروا خدمة الناس، فكان جزاؤهم الريبة والاتهام أحيانًا، وأنى يكون الاعتداء مآلاً حين يقترب التكريم من مكمن المصالح. يبدأ المتحدث بالدفاع عن نفسه وحياته البسيطة، وينتقل إلى تأمل مُرّ في مصير المُصلحين الذين قد يتعرّضون للظلم أو العنف حين تشعلهم عيون الحسد أو تضيعهم مكائد الخصوم. قصيدةٌ تختزل تناقض المجتمع: يطلب منا أن نخدمه، ثم يهاجم من يخدمه، ويحتفي به بكلمات فقط حتى إذا صار التكريم واقعًا؛ يطالونه بالنار.
قالو ما رشحت عمرك قلت لا والله مانا مجنون
باقي ما عذرت من عمري ومن مستقبلي ومن أهلي
باقي ما كملت تعليمي وباقي توني عريس
مقدر أرضي الناس والعالم رضاهم غاية ما تدرك
قالو يا ابن الناس عش للناس انا مالي وماللناس
اللي يخدمهم وياخذ حقه يسمونه المصلحجي
والبلاشي قال لو ماكان سارق ما خدم بلاش
لو توهج بعضنا لين أحترق في خدمة أبناء شعبه
ما يقدم ربع ما سوى الحريري في شعب لبنان
أنكر المعروف واليد اللي أمتدت لهم قطعوها
عرب خيانات وعلى قولت التركي عرب جرب
يوم قرر مجلس النواب تكريمه وتخليد إسمه
فجرو فيه القنابل وأحرقو بالنار موكبه
الأبعاد الفكرية والتحليل
صراع الفرد مع الصورة الاجتماعية:
يبدأ الشاعر بالدفاع عن النفس، مؤكدًا أنه «ليس مجنونًا» للترشح أو التفريط بحياته الشخصية، وأن خدمة الناس ليست ترفًا بل خيار حياة يُدفع ثمنه. الصراع هنا بين الموقف الشخصي ومتطلبات المجتمع العام.
نبذ المُصلحجيّة والصورة النمطية:
البيت «اللي يخدمهم وياخذ حقه يسمونه المصلحجي» يبيّن ظاهرة اجتماعية: التهويل والتقليل من نية المُبادرين بالخير إذا طالبتهم الظروف بحقّ أو امتياز. هذا نقد لثقافة التشكيك التي تصيب الروّاد في العمل العام.
التضحية مقابل الجشع والمقارنة التاريخية:
التشبيه بالحريري (على سبيل المثال كرمز لعمل سياسي مُثمر رغم ما شابه من سياقات) يرمز إلى من بذل ما لديه من أجل شعبه ثم تعرّض للمآسي. الشاعر يستخدم هذا لتأكيد أن قيمة من يخدم لا تُقاس بقدر ما الذي يقدمه المجتمع من تقدير أو غدر.
خطر المكائد السياسية والاعتداء على التكريم:
الختام بصور التفجير وحرق الموكب عند تكريم أحدهم هو تصوير مرعب لتناقض المجتمع: يكرّم بالكلام ويُستهدف بالفعل. هذا المشهد يحمل رسالة تقطر حزنًا وغضبًا: أن احتفاءً رسمياً قد يتحوّل إلى استهداف دموي بفعل أعداء المصالح أو نفوس حاسدة.
الأثر النفسي والوجودي:
تراوح القصيدة بين الدفاع الشخصي والتأمل الاجتماعي، وتظهر أثر الجرح على نفس المُبادر الذي يجد نفسه بين رغبة في خدمة الناس وتهديدات تطال حياته ومصيره. هي قصيدة عن صدق النية ومأساة الجزاء.
الخاتمة
قصيدة «قالوا ما رشحت» ليست مجرد متّنة فردية، بل هي مرآة لمجتمعٍ يختبر قِيَمَه: هل نُكافئ من يُقدمون أنفسهم في خدمة العامة؟ أم نحولهم إلى أهدافٍ للكراهية والحسد؟ الشاعر يرسم في أبياته معادلةً بسيطة ومرة: خدمة الناس شجاعة تحتاج إلى وطن يحميها ويُكرّمها بالفعل لا بالكلام.
القصيدة تبقى صرخة تُذكّر القارئ بأن التضحية لا تُقاس بالشعارات، وأن الدولة والمجتمع يدان إذا لم يحميا من يحموننا.