قصيدة جنوب لبنان ليست حديثًا عن مكانٍ بعينه، بل عن الإنسان في كل مكان.
يُطلّ فيها الشاعر أ.د عبدالواحد بن سعود الزهراني بصوته المختلف، ليحوّل “الجنوب” إلى رمزٍ عميقٍ للمعاناة، والتهميش، والبحث عن الحرية الحقيقية.
من خلال لغةٍ حادةٍ ونقدٍ مبطّنٍ بالفكر، يفتح الزهراني باب التأمل في فكرة التحرر؛ هل هو حالة سياسية أم وعيٌ داخليّ؟
يستخدم الشاعر رمزية “الشمال” و”الجنوب” ليصف عالمًا مختلّ الموازين، حيث تُرفع فيه شعارات الحرية بينما يظل الإنسان مكبَّلًا بالأفكار والمظاهر.
القصيدة هنا تُقدَّم كخطابٍ فلسفيٍّ اجتماعيٍّ متجدد، يصوّر المفارقات الإنسانية بأسلوبٍ شعريٍّ لاذع، يجعل القارئ أمام مرآةٍ للواقع، لا أمام قصيدةٍ تقليدية.
جنوب لبنان
للشاعر أ.د عبدالواحد بن سعود الزهراني
ما سمعتم بكذبة عام اللفين ما حي ظحك
قال قايل تراث جنوب لبنان من قيدة تحرر
قلت ما ظن يتحرر من القيد شي اسمة جنوب
الجنوب الذي يظلمه الانسان حتى عند نومة
ليش مدري ليا جا النوم كل يلقية اظهرة
ليش مدري شمال العالم أعز واغنى من جنوبة
والفلل والعماير ما يجي واجهتها الا شمال
صدق يا جنوب لبنان انك اصبحت حر ولا تصدق
اصبر اصبر وفضل الله واسع ونصر الله قريب
مادام ان احتفالي بك وبارضك يسمى عنصرية
يشهد الله ويشهد من بغى يشهد اني عنصرية
في رايي واحد يوقد لنا في ظلم الليل شمعة
خير من مئتين الف ادمي يسبون الظلم
يعني لو سرت في طابور الاقزام وانت طويل قامة
قالوا خارج عن القانون ولا تمرد على النظام
اما تنقص حتى مستوى الروس والا تنحني
الأبعاد الفكرية
تُعد هذه القصيدة من النصوص التي تمزج بين الوعي الاجتماعي والفكر الإنساني، حيث يعالج الزهراني قضية الحرية من منظور فلسفي يتجاوز الزمان والمكان.
الجنوب في النص ليس موقعًا جغرافيًا، بل رمزًا للبشر الذين يعيشون تحت وطأة الظلم أو اللامساواة، فيما “الشمال” يمثل الامتياز والقوة والهيمنة.
منذ البيت الأول، يتخذ الشاعر نبرة ناقدة صريحة:
“قال قايل تراث جنوب لبنان من قيدة تحرر
قلت ما ظن يتحرر من القيد شي اسمه جنوب”
هنا يضع الشاعر يده على المفارقة الكبرى: أن الحرية أحيانًا تُعلَن في العناوين وتُنفى في الواقع.
ويواصل تصوير المفارقة بين الجنوب الذي “يُظلمه الإنسان حتى عند نومه”، والشمال الذي ينعم بالعزة والغنى، في نقدٍ اجتماعيٍّ لواقعٍ عالميٍّ لا يتعامل بالعدالة بل بالمصالح.
ثم ينتقل إلى بعدٍ أعمق حين يقول:
“في رايي واحد يوقد لنا في ظلم الليل شمعة
خير من مئتين ألف ادمي يسبون الظلم”
بهذا البيت يبلغ النص ذروة نضجه الفكري، إذ يفضّل الشاعر الفعل الفردي المضيء على الجموع الغاضبة التي لا تُحدث تغييرًا.
إنها رسالة إصلاحية إنسانية تُعبّر عن فلسفة الزهراني في التغيير الهادئ القائم على الفعل لا الصخب، وعلى الفكر لا الشعارات.
وفي ختام القصيدة، يعرض الشاعر موقف الإنسان الحر الذي يرفض الانحناء مهما اشتدّ ضغط الواقع:
“يعني لو سرت في طابور الأقزام وانت طويل قامة
قالوا خارج عن القانون ولا تمرد على النظام”
بهذه الصورة البليغة، يُجسّد الزهراني رفضه للمساومة الفكرية، مؤكّدًا أن الاستقامة في زمن الاعوجاج تُعدّ تمرّدًا في نظر الضعفاء، لكنها في جوهرها شرفٌ ووعيٌ سامٍ.
الخاتمة
قصيدة جنوب لبنان واحدة من أبرز النصوص التي تجسّد فكر عبدالواحد الزهراني كشاعرٍ يحمل همّ الإنسان قبل المكان.
من خلالها، يقدّم رؤية واعية لعالمٍ فقد توازنه بين الشمال والجنوب، بين الشعارات والحقائق.
هي قصيدة عن الحرية، لكن بصوتٍ عاقلٍ لا غاضب، وبحكمة شاعرٍ يرى أن التحرر يبدأ من الداخل قبل أن يُعلن في الخارج.
بلغةٍ متقنة ومعانٍ جريئة، يؤكد الزهراني أن الشعر يمكن أن يكون سلاحًا فكريًا لا يُوجّه إلى أحد، بل يُسلّط الضوء على كل ما يجب أن يُرى بوضوح.