تأتي قصيدة ليل المدينة كئيب كمرآة لحالة وجدانية يعيشها الشاعر؛ حيث نلمح صورة السهاد والبحث عن بصيص ضوء في أفق مغلق، وحوارًا داخليًا مع الذات يختلط فيه العتاب بالشجن. العنوان نفسه – ليل المدينة كئيب – يتكرر كرمز للاغتراب والقلق، ولتأكيد على أن المدينة ليست مجرد مكان، بل كيان يثقل الروح. تتصاعد في النص صور الاغتراب حتى تصل إلى الذروة حين يصف الشاعر شعوره بالاختناق داخل زنزانته الخاصة. هذه الاستعارة القوية تُظهر صراعًا داخليًا يتجاوز المكان ليصل إلى معنى الحياة ذاتها.
ليل المدينة كئيب و كلمـا فـكـر بـالإشـراق
من شـدة إنهاكـه التصقـت علـى جسمـه ثيابـه
و اللي خنقه السهـاد يمـد شوفـه صـوب الآفـاق
لكـن الآفـاق مـا تكشـف لـه إلا عـن كـآبـة
الكون لو كان واسـع كـان مـا ضمتـه الأحـداق
تخفـي النجـوم بجلالـة قدرهـا قطعـة سحـابـة
والأرض حبلـى سفـاح و عهرهـا مـا زال دفـاق
لو حاول البحـر يغسـل مـا عليهـا مـن جنابـة
و اليوم ولد أمـس و أبـو بكـره المتمـرد العـاق
غريـب الأطـوار لكـن كـل الأطــوار إتشـابـه
دخلت بالعمـد فـي زنزانتـي وأحكمـت الإغـلاق
إذا تصـدرت سجـن أخلـع شعـوري عنـد بابـه
خليت روحـي تخـوض بنفسهـا تجربـة الإزهـاق
و شنقت نفسي على استفهـام يبحـث عـن إجابـة
فـي قمقـم كـل مـا زاد النجـاح يزيـده إخفـاق
أفـك شفـرة غمـوض(ن) مـا يزيـد الا غرابـة
وين أنت ياللي تموت و تحضن اسمك بيض الأوراق
و تجـف الاقـلام لكـن مـا تمـل مـن الكتـابـة
لولاك ذابت أحاسيسـي جفـاف و فقـر و إمـلاق
و ثكلت عشقي ومات الشـوق فـي زهـرة شبابـه
السالفـة باختصـار إنـي غريـب وحيـل مشتـاق
لك يـا مـلاذ الخفـوق و يـا هنـاه و يـا عذابـه
تمـر ساعـات وأنـا واضعـا ساقـا علـى سـاق
أذوق الأوجــاع عــن ذريــة آدم بالنـيـابـة
صحيح مثلي مثـل غيـري جميـع النـاس عشـاق
لكـن للعشـق صدمـة تفقـد العـاقـل صـوابـه
قصيدة ليل المدينة كئيب ليست مجرد نص شعري، بل مرآة تعكس صراع الإنسان مع ذاته واغترابه في مدينة صامتة. هذا النص يعيد تشكيل الشجن في قالب شعري خالد، ويؤكد أن الشعر يملك القدرة على أن يحوّل الألم إلى أثر. من يقرأ ليل المدينة كئيب يدرك أنه أمام تجربة وجدانية متكاملة، تُعيد للشعر دوره في ملامسة الروح وإضاءة الدروب المعتمة.
قصيدة ليل المدينة كئيب للشاعر عبدالواحد بن سعود الزهراني تُعد من أبرز النصوص التي جسّدت الاغتراب الروحي والبحث عن المعنى في زمن متثاقل بالأسئلة. في هذه القصيدة، التي حملت عنوان ليل المدينة كئيب، تتجلّى صور الليل الموحش والمدينة الصامتة، في مزيج من الحزن والبحث عن الذات. وتكرار هذا العنوان لم يأتِ من فراغ، بل لأنه أصبح مفتاحًا لفهم مضمون النص، ونافذة تطل على عالم الشاعر الداخلي.
