الأعمال الكاملة

للشاعر عبدالواحد الزهراني

https://abdlwahed.com/wp-content/uploads/2025/09/white_bottom_01-big-size.png
bt_bb_section_bottom_section_coverage_image
اعتزاز

في قصيدة يا عجوز، يواجه الشاعر أ.د عبدالواحد بن سعود الزهراني إحدى أكثر الظواهر المعاصرة إشكالية: تصادم القيم الأصيلة مع ملامح الحضارة الزائفة. بأسلوب نبطي فصيح يفيض بالصور والرموز، يرسم الزهراني صراعًا بين “الوجه البشع” المتزيّن بالمكياج، وبين وجه الصدق الذي غطّاه غبار الزيف. القصيدة لا تهاجم امرأة بعينها، بل تُجسّد نموذجًا رمزيًا للانحراف الأخلاقي الذي يحاول طمس الفطرة، وتحويل الإنسان إلى سلعة تُباع تحت شعار التمدّن.
هذا النص يجمع بين الجرأة في الفكرة والعمق في التحليل، ويضع القارئ أمام مرآةٍ تكشف قسوة الانسلاخ من القيم في زمنٍ يزيّن الباطل ويستبدل الثابت بالمتغيّر.

الــــــــــــبــــــــــــدع

ياعجـوز لهـا عن غيرهـا ميزة الوجه البشـع
والمسـاحيـق والمكيـاج ما زودتهـا الا بشاعــة

ربما تدعي للخير لكـن وجهك وجـه شـــوم
يا عجـوز هدفهـا طمس الاخلاق واعدام المبــادي

مثـل ما همها تبدي للازواج كـل اربع سنيــن
ندري ما دامها في الغرب فالشمس تشرق من جهتها

والسـؤال الذي تلقيـه مالـه جواب الا نعـــم
يـا عجـوز تغـذي طفلهــا بالحنــان وبالدلايـل

تبغينـا كلنـا خـدام لاهدافهــا ولطفلهــــا
لكــن لا والـف لا والفيـن لا بل عشـرة آلاف لا

كم دعينا من اعماق المحاريب واكتاف المنابــر
ولثمنـا الثـرى حتـى تحجـر من آثـار السجـود

مثل ما ناحة البومة على مملكة كسرى وقيصــر
مثل ما ضبـح الواوي علـى مملكـة عـاد وثمـود
يقـدر الله يجعلهـا حطـام واثـار بعد عيـــن

اكبـر الغلب لـو تبقـى اللعينة تجـرب سيطرتهــا
والشرف ينتحر والحال يبقى على ما هو عليــه

ساعتها يصبح الدم الذي في العروق ارخص من الما
ساعتها يضحك الشيطان من مسمعه الى مسمعـه

الـــــــــرد

يا عباد الله اصح القطر والبرق دوبه دوب شع
كنه العلة اللي ما يراها الطبيب الا باشاعـــــة

بشر ما سال وادي السيل ما جا لوادي وجهشوم
اذكر التزكية والناس يبدون من فوق المبــــادي

بالله لا تخطف الابصار يا بارق يربع سنيــن
بارق الصيف موت ابلادنا في يديك ومن جهتهـــا

عندنا شوفتك لما تجي خير من حمر النعـــم
بارق الصيف ما يحتاج لك لا شهود ولا دلايــــل

ارحم المنطقة لا هنت وارفق بها والطف لهــا
وارسم الحد حد العشب بين المدينة والفــــــلا

دايم في سلام وروسنا عاليه وايامنا بــــر
والله انا نجود لو ما تبقا لباقي الناس جـــــود

ندخل اليد في جيب الستر لا شمر ثوبه وقيصر
وشربنا القراح ولا شربنا من العد الثمــــــود

نجبر الارض تنفجر ينابع عين بعـد عيـــن
سالية صمت خطتها كفوف الزمان وسيطرتهــــا

كم شجيع يوجه بااسهم الموت وتعود عليــه
يا وجودي على المطعون ما ذب يصيح الا من المـا

ليش ما نسعفه ونضمد الجرح ونلامس معه

الأبعاد الفكرية
الرمز والمرآة: العجوز في القصيدة ليست فردًا، بل كيان رمزي يمثل التمدّن المزيّف الذي يتزيّن بالمساحيق ليُخفي قُبح القيم المادية، ويغري المجتمعات بتقليده حتى في انحلاله.
صراع الهويّة والقيم: يضع الشاعر الشرق والغرب في مواجهة أخلاقية، حيث تحاول المدنية الغربية فرض نموذجها، فيما يتمسك الشاعر بأصالته القائمة على الدين والمروءة.
نقد التسلّط الفكري: النص يواجه فكرة “الهيمنة الثقافية” حين يقول: “تبغينا كلنا خدام لأهدافها ولطفلها”، في إشارة إلى محاولات استعباد الأمم عبر الفكر لا السلاح.
نداء الإحياء والعودة: في الردّ الشعري، يتحوّل النص من السخرية إلى الدعاء، ومن الهجاء إلى الإصلاح، داعيًا للسلام والعطاء والعدل. ينتهي الموقف إلى يقظة جماعية، لا مواجهة صاخبة.
صورة الطبيعة كمرآة للقيم: يستخدم الشاعر “البرق، القطر، السيل، البارِق” رموزًا للحياة المتجددة التي تُغسل بها الأرض بعد العطش، تمامًا كما تُطهَّر القلوب من الزيف.
الخاتمة
تجسّد «يا عجوز» قصيدةً ناطقة بوعيٍ ثقافيٍّ حاد، تجمع بين الجرأة في النقد والسموّ في الهدف. إنها ليست هجاءً لأنثى، بل إنذارٌ لمجتمعٍ يوشك أن يُستدرج خلف أقنعة المدنية الفارغة. يواجه الشاعر الزيف ببلاغة الحق، وينتهي إلى حكمةٍ تدعو للعودة إلى الأصل، إلى فطرةٍ تصون الشرف وتغسل وجه القيم من مساحيق الزيف.
إنها قصيدة تُقرأ اليوم كما لو كُتبت للغد، لأن الحق لا يشيخ، ولأن الكلمة حين تكون صادقة، تبقى نذيرًا ونورًا لا يخبو.

إترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تم وضع علامة عليها بـ *

الأعلى