الأعمال الكاملة

للشاعر عبدالواحد الزهراني

https://abdlwahed.com/wp-content/uploads/2025/09/white_bottom_01-big-size.png
bt_bb_section_bottom_section_coverage_image
اعتزاز

تأتي قصيدة هيبة الشر للشاعر عبدالواحد بن سعود الزهراني كلوحة صادقة تجسد موقف الإنسان بين الثبات والفتنة، وبين هيبة العقل واندفاع الشر. العنوان نفسه «هيبة الشر» يضع القارئ أمام مفارقة: هل الشر هو المهيب أم أن الشاعر يملك من الصدق ما يجعل الشر يرتعد؟
في هذه القصيدة، ينقل الشاعر صورًا قوية عن النمر الذي لا يخاف البشر، وعن العقلاء الذين لا يُجازون المذنب بغير عدل، وعن النفس التي تبحث عن السلامة من الفتن والبغضاء. إنها ليست مجرد أبيات عن القوة والشجاعة، بل عن الحكمة وضبط النفس، وتحويل التحديات إلى دروس في الرشد والاعتدال.

البدع

بيض الله رقاع وجيهنا في بعاضينــــا البعـض
وش بنا كل ما يتقابل اثنين عابسينـــــــــا

ما نسولف ولا نمزح ولا نضحك إلا للغريـــــب
يا رجاجيل روح ابن آدمي قطرة من روح ربـــه

وش بلينا تجرينا على قتلها وازهاقهــــــــا
نعلبوها شجاعة نعلبوا من يسميها شجاعـــــة

نعلبوا من شرى قاله وسلم ثمنها راس اخــــوه
ما رفضنا القصاص ولا اعترضنا على حكم الشريعة

من تدين دمي الناس يصبر يخلص من دمـــــه
لا متى نسفك الدم الحمر في ميادين العدالـــــة

لا متى ننتظر نشرات الاخبار في ايام الجمــــع
كن ما شرع الجبار حكم القصاص الا لنــــــا

الرد

حي منه لطم وجه التفاهات وارهقهــــا بعـض
أثقل من جبل الطور الذي هامته توعي بسينــــا

واهل حيل وعزم ينزع الشمس من بحر الغريـــب
والله إنا نشجع راعي العدل إذا آمر وحاربـــــه

والطوابير من هو يتقن ازعاجها وازهاقهـــــا
هذا قيف يجود ويكرم الضيف يوم الاش جاعـــه

وحنا نبني البنا واهل البنا شيدوه وراسخـــــوه
واحنا بحر عميق يستحيل السباحه والشريعــــة

مغشم اللي نزل في البحر ما قاس ماه ومندمـــه
لو شهرنا صفيح السيف للي يدينون العدالـــــه

وارتدينا شعار الصف الاوحد وليام الجمــــــع
سجد الكفر عن أقدلامنا يلقا صاصلا لنـــــــا

الأبعاد الفكرية في القصيدة

قصيدة رقاع الوجية تتجذّر فكريًا في مقررات الشرف والعدل المجتمعي؛ فهي تقف عند نقطةٍ حرجةٍ بين الشعور بالغضب الجماعي والحاجة إلى أحكامٍ تحفظ أمن الناس وكرامتهم. الشاعر هنا لا يغرّد بمنفى عاطفيٍ بعيد، بل يلتحف خطابًا عموميًا يوجهه إلى مجتمعٍ يرى أن القيم قد تُستباح، وأن التهاون مع الجريمة أو مع من يبيع أعراض الناس أو أمنهم لا يمكن أن يستمر دون كلفة.

الوجوه كرموز اجتماعية: الافتتاحية تصف «رقاع الوجيه»؛ أي أن الوجوه باتت تحمل رقعًا من الآلام والتجارب. لا ضحك ولا مداعبة إلا أمام الغريب – مشهد يكشف عن تصنّعٍ اجتماعي أو خوفٍ داخلي. هذا التصوير يجعل الوجه مشهدًا وموقفًا، والرقع دلالة على ندوبٍ تجمع بين ما هو شخصي وما هو جماعي.

القصاص والعدالة: القصيدة تلجأ صراحةً إلى نصّ الشريعة وشرعها: «ما رفضنا القصاص ولا اعترضنا على حكم الشريعة». هذه العبارة تحيّد الشاعر عن بوّابة الانتقام الأعمى، وتضعه في خانة المطالبة بالإنصاف القانوني والديني. كما يردّ الشاعر أن أحكام الدولة رادعة: «دولة تضرب على يد المخالف بقبضه من حديد» (مستوحى في الرد)، وتلك إشارة إلى أن سيادة القانون هي حماية للجميع.

قيمة العزيمة والردع: في الرد تظهر صورة القوة المعنوية: أهل الحيلة والعزم الذين «ينزعون الشمس من بحر الغريب»؛ أي لا مكان للتهاون مع الخارجين عن الفطرة الاجتماعية. كما تبرز فكرة «قيف يجود ويكرم الضيف» كعشرة أصيلة لا تُهان، فالمجتمع الذي يكرم ضيوفه لا يسمح للتجاوزات أن تستشري فيه.

اللغة والموقف: اللغة هنا قاطعة ومباشرة، لا تميل إلى المراوغة. الجمل الإيقاعية والصرخة الجماعية تصنع موقفًا واضحًا: إما أن نكون مجتمعًا يحفظ كرامته وحقوقه، أو نكون مجتمعًا مفتتًا تتهاوى فيه «رقاع الوجوه».

التوازن بين العاطفة والانضباط: على الرغم من أن القصيدة تنطوي على نفحة حماسة، فإنها لا تختزل نفسها في التحريض. الشاعر يذكر الشريعة، يرفع شعار العدالة، ويستخدم ألفاظًا تؤكد البناء والصمود («واحنا نبني البنا واهل البنا شيدوه وراسخوه»). هذا التوازن يضع القصيدة في خانة النصوص التي تدعو إلى ضبط النفس مع تطبيق الأحكام العادلة.

الخاتمة

قصيدة رقاع الوجية لسعود بن سعود الزهراني نصٌّ قويٌّ يحمل على كاهله هموم المجتمع وأشواقه إلى عدالةٍ لا تُساوم. تكرار عنوان قصيدة رقاع الوجية يذكّرنا بأن الوجوه – وهي مرآة النفوس والمجتمعات – إن لم تُشفى أو تُرمّم بقيم العدالة والقصاص المنضبط، ستبقى رقّاعة لا تُخفي الجراح.

القصيدة لا تكتب غضبًا فقط، بل تُعلن موقفًا: موقفُ من يريد مجتمعًا تحميه شريعةٌ عادلة، وتبني فيه الأجيال بيوتًا لا تنهار. وهكذا تبقى قصيدة رقاع الوجية وثيقة شعرية تعبّر عن التزامٍ بالعدل والقيم، وعن رفضٍ للاستخفاف بالحبّ والإنسانية، وعن إيمانٍ بأنّ الوجوه إذا جُبرت بالحقّ، عادت تبتسم بلا رقاع.

إترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تم وضع علامة عليها بـ *

الأعلى