الأعمال الكاملة

للشاعر عبدالواحد الزهراني

https://abdlwahed.com/wp-content/uploads/2025/09/white_bottom_01-big-size.png
bt_bb_section_bottom_section_coverage_image
اعتزاز

بعد سنوات طويلة من الإبداع، كتب الشاعر عبدالواحد بن سعود الزهراني قصيدة نهر الحبر جف، التي تمثل اعترافًا شعريًا صادقًا بحالة التعب والإرهاق الذي قد يصيب المبدع، وتحول لحظة الصمت إلى بيان صريح عن صدق التجربة الشعرية. في هذه القصيدة، يخلع الشاعر عباءة المجاملة، ويعلن أن الإبداع ليس مجرد حبر يُسكب، بل دم يُنزف.

إن العنوان قصيدة نهر الحبر جف هو المفتاح لفهم النص، لأنه يعكس صورة بصرية قوية عن جفاف منابع الكتابة. لكنها ليست صورة استسلام، بل إعلان عن استعداد الشاعر لأن يعطي من دمه ليعيد للحبر صفاءه. بهذا الأسلوب، تتحول القصيدة إلى مرثية للإبداع نفسه، ورسالة للقارئ أن الشعر الصادق ليس كلمات مزخرفة، بل حياة تُنسج على الورق.

القصيدة

يا اهل الاقلام شقوا صدري إن كان نهر الحبر جف
واسكبوا من دمي في البحر حتى يعود حبر صافي

واخضبوا بالحبر ما فـوق وجه البسيطة من وراق
وافردولي اكتاب الله واحلف لكم ماني بشاعـــر

واكتب اسمي وتوقيعي على بصمة ابهام اليميــن
يكفي إني نسجة لكل معنى ثياب يكتسبهـــــا

يوم غيري يجرد عورة الشعر من باقي اللبــاس
واقدر آقفل الدنيا بالاقفال وابتر باسهـــــــا

الأبعاد الفكرية في القصيدة
قصيدة نهر الحبر جف تمثل نصًا فلسفيًا صريحًا عن معاناة الشاعر في عالم الكتابة. تبدأ الأبيات بنداء: يا أهل الأقلام شقوا صدري إن كان نهر الحبر جف. هذه الصورة العنيفة ليست مجرد استعارة، بل إعلان استعداد الشاعر للتضحية بنفسه حتى لا ينقطع نهر الإبداع. الدم هنا يصبح بديلًا عن الحبر، في إشارة إلى أن الشعر الحقيقي يخرج من القلب قبل القلم.
في البيت الثاني، واسكبوا من دمي في البحر حتى يعود حبر صافي، تتضح الفكرة أكثر: البحر رمز للكون الواسع أو القارئ الكبير، والدم رمز للتجربة الصادقة، والحبر الصافي رمز للكلمة النقية. أما حين يقول وافردولي اكتاب الله واحلف لكم ماني بشاعر فهو اعتراف ضمني بأن الشعر عنده ليس مجرد مهنة، بل قدر ورسالة؛ هو ليس شاعرًا بالمعنى التقليدي، بل ناقل للحقيقة والضمير.
الأبيات التالية تؤكد هذه الفلسفة: يكفي إني نسجة لكل معنى ثياب يكتسبها، أي أن الشاعر يكسو المعاني ثيابًا من كلماته، بينما الآخرون يجردون الشعر من لباسه فيكشفون عورته. وهنا يصل النص إلى ذروته في البيت الأخير: وأقدر أقفل الدنيا بالأقفال وأبتر باسها، أي أن الشاعر يمتلك القدرة على الصمت كما يمتلك القدرة على الكلام، وأنه يملك المفتاح لكنه لا يستخدمه إلا بوعي.
بهذا، تتحول قصيدة نهر الحبر جف إلى بيان عن مسؤولية الكلمة: أن الشعر ليس زخرفة، بل مسؤولية وأمانة، وأن الصمت أحيانًا أشرف من الكلام إذا كان الكلام بلا صدق.
الرمزية في القصيدة
نهر الحبر: رمز للإبداع المتدفق، وعندما يجف يرمز إلى التعب أو الانقطاع عن الكتابة.
الدم: رمز للتضحية الصادقة، وتحويل الذات إلى مصدر للكلمة النقية.
الكتاب (اكتاب الله): رمز للصدق والأمانة، القسم على أن الشعر ليس مجرد حرفة.
عورة الشعر: إشارة إلى الزيف الذي قد يلبس ثوب الشعر لكنه يفرغ من المضمون.
الأقفال: رمز لسيطرة الشاعر على الكلمة والصمت معًا.
الخاتمة
إن قصيدة نهر الحبر جف لعبدالواحد الزهراني ليست مجرد نص عن التعب الإبداعي، بل إعلان فلسفي عن صدق الشعر وأمانة الكلمة. تكرار العنوان قصيدة نهر الحبر جف في المقال يعزز الكلمة المفتاحية ويؤكد أن النص وثيقة وجدانية عن معاناة الشاعر في زمن التزيف.
لقد استطاع الشاعر أن يحوّل معاناته إلى لوحة شعرية، فيها الدم والحبر، فيها البحر والورق، فيها الاعتراف والرفض. وهكذا تبقى قصيدة نهر الحبر جف نصًا خالدًا يذكّرنا أن الشعر الحقيقي ليس مجرد كتابة، بل تجربة إنسانية تُنزف على الورق وتعيش في ضمير القارئ.

إترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تم وضع علامة عليها بـ *

الأعلى