الأعمال الكاملة

للشاعر عبدالواحد الزهراني

https://abdlwahed.com/wp-content/uploads/2025/09/white_bottom_01-big-size.png
bt_bb_section_bottom_section_coverage_image
اعتزاز

في قصيدة نضحك للغريب، يضع الشاعر أ.د عبدالواحد بن سعود الزهراني يده على واحدة من أدقّ القضايا الإنسانية والاجتماعية: مفارقة العلاقات بين الناس، حين يلين القلب للغريب ويقسو على القريب.
يكتب الزهراني هنا بلغةٍ صريحةٍ تفيض حكمةً ووجعًا، ويستخدم الشعر كمرآةٍ أخلاقية تعكس واقعًا مقلوبًا، غاب فيه الودّ الحقيقي وحلّ محله المجاملة الزائفة.
من خلال نصٍّ ثريٍّ بالرموز، ينتقل الشاعر من توصيف الحال إلى مساءلة الضمير الجمعي للمجتمع، داعيًا للعودة إلى جوهر الإنسانية والإخاء، وإلى تفعيل القيم التي جاء بها الشرع والعقل، لا الانجراف وراء التقاليد القاسية أو الانتقامات الموروثة.
إنها قصيدة لا تُقرأ كعتابٍ اجتماعي فحسب، بل كبيانٍ إنسانيٍّ يوقظ الفطرة قبل العاطفة.

البدع

بيض الله رقـاع وجيهنـا فـي بعاضينـا البعـض
وش بنـا كـل مـا يتقـابـل اثنـيـن عابسيـنـا

ما نسولـف ولا نمـزح ولا نضحـك إلا للغريـب
يا رجاجيل روح ابن آدمي قطـرة مـن روح ربـه

وش بلينـا تجرينـا عـلـى قتلـهـا وازهاقـهـا
نعلبوهـا شجاعـة نعلبـوا مـن يسميهـا شجاعـة

نعلبوا من شرى قالـه وسلـم ثمنهـا راس اخـوه
ما رفضنا القصاص ولا اعترضنا على حكم الشريعة

من تدين دمي النـاس يصبـر يخلـص مـن دمـه
لا متى نسفك الـدم الحمـر فـي مياديـن العدالـة

لا متى ننتظر نشرات الاخبـار فـي ايـام الجمـع
كن مـا شـرع الجبـار حكـم القصـاص الا لنـا

الرد

حي منه لطـم وجـه التفاهـات وارهقهـا بعـض
أثقل من جبل الطور الـذي هامتـه توعـي بسينـا

واهل حيل وعزم ينزع الشمس من بحـر الغريـب
والله إنا نشجع راعـي العـدل إذا آمـر وحاربـه

والطوابيـر مـن هـو يتقـن ازعاجهـا وازهاقهـا
هذا قيف يجود ويكرم الضيـف يـوم الاش جاعـه

وحنا نبني البنـا واهـل البنـا شيـدوه وراسخـوه
واحنا بحر عميـق يستحيـل السباحـه والشريعـة

مغشم اللي نزل في البحر ما قـاس مـاه ومندمـه
لو شهرنا صفيـح السيـف للـي يدينـون العدالـه

وارتدينا شعـار الصـف الاوحـد وليـام الجمـع
سجـد الكفـر عـن أقدلامنـا يلقـا صاصـلا لنـا

الأبعاد الفكرية في القصيدة
في هذه القصيدة العميقة، يقدّم الزهراني معالجة فكرية جريئة لظاهرة البرود الإنساني وتناقض القيم الاجتماعية.
ينطلق النص من مشهدٍ بسيط: تقابل الناس بوجوهٍ عابسة. لكنه لا يتوقف عند الصورة، بل يغوص في الأسباب الأخلاقية والنفسية الكامنة خلفها.
يقول الشاعر:
“ما نسولف ولا نمزح ولا نضحك إلا للغريب”
هنا يفضح حالةً من الانفصال العاطفي بين أبناء المجتمع الواحد، حين يُقدَّم الغريب بالترحاب، ويُقابل القريب بالتحفّظ والجمود.
ثم ينتقل إلى مستوى أعمق، حيث يربط بين هذه البرودة وبين فقدان القيم العليا التي تصون الدماء وتوحّد القلوب.
في قوله:
“وش بلينا تجرينا على قتلها وازهاقها
نعلبوها شجاعة نعلبوا من يسميها شجاعة”
ينتقد الزهراني ظاهرة العنف المشرعن باسم الشجاعة، ويرفض التفاخر بالقتل أو الثأر، معتبرًا أن الشجاعة الحقيقية هي في ضبط النفس، لا في سفك الدماء.
كما يقدّم رؤية إصلاحية تستمد من روح الشريعة الإسلامية، مؤكدًا أن العدالة الإلهية لا تحتاج إلى انتقامٍ بشري، بل إلى صبرٍ وتسامحٍ وحكمة.
وعندما يقول في الرد:
“والله إنا نشجع راعي العدل إذا آمر وحاربه”
فهو يعلن موقفه بوضوح: العدل فوق الجميع، وهو المعيار الذي يُعيد التوازن للمجتمع.
أما ختام القصيدة، ففيه تجسيد لوعي جمعي يتجاوز الذات إلى الأمة، إذ يربط الشاعر بين قيام العدالة وسقوط الظلم، حتى يخضع الكفر تحت راية الحق، كما في قوله:
“سجد الكفر عن أقدامنا يلقى صاصلا لنا”
هذه القصيدة بذلك لا تُعدّ مجرد نص شعري، بل خطابًا اجتماعيًا وفكريًا متكاملًا، يصف المرض ويقدّم العلاج بلغةٍ شعريةٍ رصينةٍ وموقفٍ أخلاقيٍّ نبيل.
الخاتمة
قصيدة نضحك للغريب هي مرآة إنسانية تعكس التحوّلات القيمية في المجتمع، وتعيد طرح سؤال الأخلاق والعلاقات في زمنٍ طغت فيه المظاهر على الجوهر.
من خلالها، يُعيد الشاعر عبدالواحد الزهراني للشعر دوره الأصيل كضميرٍ للأمة، لا كمجرّد فنٍّ للمتعة.
يدعو الزهراني إلى مصالحةٍ داخلية، تعيد الدفء للنفوس والعدل للمجتمع، مؤكدًا أن الإيمان والرحمة والإنصاف هي ما يحفظ كرامة الإنسان.
بهذه اللغة المشرقة والفكر المتزن، تظل القصيدة من أهم نصوصه التي تجمع بين الوجدان، والفكر، والإصلاح الاجتماعي، في وحدةٍ فنيةٍ متكاملةٍ تُظهر نضج تجربته وعمق رسالته الشعرية.

إترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تم وضع علامة عليها بـ *

الأعلى