تُجسّد قصيدة طلعة الفجر للشاعر عبدالواحد بن سعود الزهراني لحظة تأملية عميقة بين النور والظلمة، وبين البدايات المشرقة والانكسارات التي تعقبها. العنوان نفسه «طلعة الفجر» يحمل رمزية مزدوجة: فهو بداية يومٍ جديد، لكنه أيضًا بداية اختبارٍ نفسي تتجاذبه الأضواء والظلال.
القصيدة تمثل رحلة وجدانية تبدأ بالانبهار بطلوع الفجر، حيث يراه الشاعر انبلاج روح وانبثاق حياة، ثم تنكفئ هذه الصورة حين تخفت الشمس ويعود القمر خاسفًا. النص لا يكتفي بالوصف، بل يحمّل المشهد دلالات فلسفية حول الصبر والقناعة والتخلي عن الأوهام. إنّ قصيدة طلعة الفجر نص يجمع بين دفء الشروق ومرارة الغروب، ويحوّل التجربة الشخصية إلى خطاب شعري يتقاطع مع التجربة الإنسانية العامة.
البدع
يا صحابي كان لي في طلعة الفجــــر أنبلاج روح
كنت أفول الشمس شمسي وكنت احط ايدي على جبهتها
وبساط النور مجلسنا وقهوتنا دم الشفـــــــق
صدقوني كنت أشوف الكون كل الكون ملك أيديــــه
صدقوني لوينازعني على ملكه منازع مــــــات
ثم قمت تغيب ما عاد التفت لك يا قمر يا خاســــف
واعزف الحان السرور وكل السماحزيــــــــن
عاد تشرق شمس تغرب شمس ما عاد التفت لهـــا
الرد
من ياخذ قلب معي ويبيعني قلب بلا جــــــروح
الجروح أحتار فيها الطب وان كان العلاج أبهتهــــا
تخرج الزفرات من صدر الحزين النادم الشفــــق
وهروج أهل الحسد والكذب هم والعالم الكيديـــــه
انا ما دور هروج الكبرياء والزيف والزعامــــات
لابجيني تعتذر من ما جنيت ولا بقل ياخ آســـــف
القناعه طيبه والصبر طيب والسمح زيـــــــن
أنقض أطراف الحبال إن كان ما عادلت فتلهــــــا
الأبعاد الفكرية في القصيدة
تحمل قصيدة طلعة الفجر أبعادًا فلسفية وإنسانية متعددة:
الفجر كرمز للأمل: البداية المشرقة تعكس لحظة انتشاء الشاعر بسطوع الفجر، إذ يجسّد الشمس وكأنها ملكه الخاص، يضع يده على جبهتها ويُطلّ الكون من نافذته. هذه الصورة تجعل الفجر رمزًا للسيطرة المؤقتة على الحياة.
الخذلان والانكسار: ينقلب المشهد مع تغيب القمر وغياب النور. يتحول الفرح إلى انطفاء، ليكشف النص هشاشة الامتلاك، فالشمس تشرق وتغيب بلا اعتبار لانتظار الإنسان أو أمله.
الألم الداخلي: الرد يفتح بابًا للجرح الإنساني: جروح لا يداويها الطب، وزفرات حزن تخرج من صدرٍ مثقلٍ بالندم. إنها صورة صادقة لثقل التجارب الإنسانية، حيث يبقى الألم أقوى من محاولات التضميد.
القناعة كخلاص: في المقاطع الأخيرة يوجّه الشاعر رسالته نحو الصبر والقناعة باعتبارها المنفذ الوحيد للخروج من التيه. عبارة «أنقض أطراف الحبال إن كان ما عادلت فتله» تمثل إعلانًا عن كسر القيود إذا لم تكن عادلة، وإعادة رسم الطريق بمعايير داخلية أصيلة.
اللغة المكثفة: اختيار الألفاظ يجمع بين البساطة والقوة: “انبلاج روح”، “دم الشفق”، “قمر خاسف”، “قلب بلا جروح”. إنها كلمات تحوّل الصور الطبيعية إلى مرايا نفسية.
الخاتمة
إنّ قصيدة طلعة الفجر للشاعر عبدالواحد بن سعود الزهراني تعكس رحلة وجدانية تبدأ بانبلاج الأمل ثم تنتهي بدروس في الصبر والرضا. تكرار العنوان داخل النص يُرسّخ الكلمة المفتاحية ويعيدنا دومًا إلى لحظة الشروق بوصفها رمزًا للأمل، حتى إن أعقبها خفوت أو خذلان.
القصيدة لا تقف عند حدود الحزن، بل تقدّم فلسفة في مواجهة الحياة: الأمل يولد مع كل فجر، والخذلان يُعالج بالقناعة والصبر. وبذلك تبقى قصيدة طلعة الفجر نصًا شعريًا يحمل قيمة إنسانية خالدة، تذكّر القارئ أن كل انبلاج للروح يحمل في طياته درسًا جديدًا من دروس البقاء.