في قصيدة «خط الجنوب»، يرسم أ.د عبدالواحد بن سعود الزهراني لوحةً مؤلمة من واقعٍ عاشته مناطق الجنوب، حيث اختلطت دموع الفقد بأصوات السيارات على طريقٍ حصد الأرواح لسنوات.
القصيدة تبدأ بمشهدٍ بسيط بين شاعرٍ وشيخٍ مكلوم، لكنها تنتهي برسالة عميقة إلى الوطن، تقول:
إن الألم لا يمنع الأمل، وإن الإصلاح هو أصدق أشكال الوفاء لمن رحلوا.
انا قابلت لي شايب معه طفل في عمر الـورود
كل ما سار(ونّ)وكل ما قـال يا(بابا)بكـى لـه
قلت ياسيّدي وش في عيونك عسى ما شر بكت
قال كيف احبس الدمعه وخالـد يذكرنـي بخالـد
نسخة طبق الأصل وكن هذا فلق من جنب ذلـك
خالد اللي يشيل المصحف يقول مااناحافظ (ن) له
واقول احفظ عسى نلقى في الحشر من يشفع لنا
رغم هو ولدي كنت اخجل املا عيوني من جماله
الف من بنت تتمنـاه حتـى لقينالـه عـروس
واحتفلنا بعرسه يوم جاب الشهـادة الجامعيّـة
وطموحه تعـدا الرّتبـه اللـي عليهـا عينـوه
ثم في ظرف لحظات انتقل من زواج الى جنـازه
صار خالد مجرد رقم في كارثة خـط الجنـوب
خايف يتكرر المشهد ويلقى الصغير مصير اخوه
قلت ياشايب الرحمن خلك صبور وهـد روعـك
انت في شهر سته في ثمنطعش واليوم الربـوع
ابو متعب حفظه الله في ذا النهار ابـرم عقـوده
لازدواجية المشروع للطايـف الباحـه عسيـر
بكره نفرح ولا يبقى مـن التعبـه الا ذكريـات
وادع ربك يسلم للمواطـن حكومتنـا الرشيـده
والله يحفظ لك الموجـود والميّـت الله يرحمـه
الأبعاد الفكرية
البعد الإنساني العميق:
تبدأ القصيدة بمشهدٍ مؤلم يجسّد المأساة الأبوية في أن يفقد الأب ابنه الشاب في حادثٍ مفاجئ.
يصوّر الشاعر المشهد بأدق تفاصيله اليومية: “كل ما سار يا بابا بكى له”، فيختزل المأساة في حركة طفلٍ بريء يستدعي أخاه الغائب دون أن يدري.
هنا يبلغ النص قمته العاطفية، حيث يتحول الحزن الفردي إلى رمز إنساني شامل.
تحويل الألم إلى وعي وطني:
لا يتوقف الشاعر عند البكاء، بل ينتقل من “الدمعة” إلى “المسؤولية”، حين يقول:
«قلت يا شايب الرحمن خلك صبور وهد روعك… أبو متعب أبرم عقوده لازدواجية المشروع»
إنها نقلة ذكية من الانفعال إلى الإصلاح — من وصف الكارثة إلى الثقة في الدولة التي تبادر لتغيير الواقع.
البعد الاجتماعي والسياسي:
القصيدة تُظهر كيف يمكن للشعر أن يكون أداة وعيٍ جماعي، فهي لا تكتفي بتوصيف الخطر، بل تشير إلى الحل، وتربط العمل الحكومي بمشاعر المواطنين.
في ذلك، تتجاوز القصيدة حدود الرثاء لتصبح وثيقة وجدانية وطنية تذكّر الناس بقيمة الصبر والتلاحم بين الشعب والقيادة.
رمزية خالد:
“خالد” في النص ليس مجرد شخص، بل رمزٌ لجيلٍ فقد حياته بسبب الإهمال أو الخطر القاتل في الطرق.
وبتكرار الاسم في حديث الأب، يتحول إلى مرثية لكل الشباب الذين رحلوا فجأة، وإلى دعاء بالرحمة والأمان لمن بقي.
البعد الإيماني:
يختم الزهراني نصه بعودةٍ إلى الإيمان، فالألم مهما اشتد، فإن الرجوع إلى الله والوطن معًا هو الطريق إلى الطمأنينة.
الخاتمة
قصيدة «خط الجنوب» ليست مجرد رثاء، بل صرخة إنسانية ودرس وطني.
من حوارٍ عابرٍ بين شاعرٍ ورجلٍ مكلوم، يصنع عبدالواحد الزهراني نصًّا خالدًا عن الصبر، والأمل، والثقة في الإصلاح.
إنها قصيدة تقول ببساطة وصدق:
من دموعنا نزرع الأمان،
ومن وجعنا يولد الوطن الآمن.
قصيدة تخلّد المأساة وتُحوّلها إلى وعدٍ بالنهضة، وتبقى من أجمل ما كتب الشاعر في توازن الشعر والرسالة.