قصيدة حب العدو للشاعر عبدالواحد بن سعود الزهراني واحدة من النصوص التي تكشف بعمق عن الجانب الفلسفي والوجداني في الشعر الشعبي. في هذه القصيدة، يتأمل الشاعر في تقلبات الحياة، ويفضح مفارقات المجتمع، حيث يصبح القريب خاذلًا والعدو أوفى من الأخ. إن العنوان قصيدة حب العدو يوحي منذ البداية بالمفارقة الصادمة، فكيف يتحول العدو إلى موضع عطاء، والأخ إلى سبب للألم؟
النص قائم على أسلوب البدع والرد، حيث يطرح الشاعر في البدع صوره الأولى عن المال والرخاصة والخيبات، ثم يجيب في الرد بصوت أشد وجعًا، يعكس الضياع بين العهود والخيانة. هذه البنية الحوارية تمنح القصيدة عمقًا إضافيًا، وتجعلها بمثابة اعتراف شعري صريح يعرّي تناقضات العلاقات الإنسانية.
البدع
ابـن سحبـان قـال ابصـر عيـون البشـر متناومـات
ودي أثمــر أموالـي سـوات البشـر والقـا البضايـع
واقطـع الليـل واغشـى السيل واهل القوافل منيخــون
وانـا ماظـن بلقـــى هيبـة مثـل ميـلان التجـورا
الفقيـر أطلقـوه النـاس للـدهـر والتـاجـر حمــوه
خـل سـوق الرخـاصة مالنـا فيـه بيـع ولا مناخــي
خيـب الله موازيـن الرخـاصـة وخيـب كيلهـــــا
الرد
ليـت أخـي يذكرونـه النـاس بالخيـر اذا متنا ومـات
آنـي اسيـر وهوجـس بالافكـار واثـر القلب ضايــع
مـدري من عـاد يوفـي بالعهـود الوثـاق ومن يخـون
ما بــي الا تميـل شـد الايــام والدنيــا تجـــورا
لابـدا فتنـة حتـى الـذي يحمـل التــاج ارحمــوه
والله مـادام خيـري مـن عـدوي وتعبـاتي من آخـي
لا خـذ اللقمـه واعطيهـا عـدوي واخـي يبكـي لهـا
التحليل
في قصيدة حب العدو، يرسم الشاعر صورة قاتمة عن المجتمع والإنسان. في البدع، تبدأ الأبيات بملاحظة اجتماعية دقيقة: البشر كأنهم “متناومات”، غافلون عن الحقائق الكبرى، بينما الشاعر يسعى ليثمر ماله ويجد لبضاعته سوقًا، لكنه يكتشف أن السوق قائم على الرخاصة والخداع. وهنا يطلق صرخته: خيّب الله موازين الرخاصة وخيّب كيلها. هذه العبارة ليست مجرد جملة، بل إدانة واضحة للظلم الاجتماعي وعدم المساواة.
في الرد، ينقلب النص من الاقتصاد والاجتماع إلى الجانب الشخصي والوجداني. يقول الشاعر: ليت أخي يذكرونه الناس بالخير إذا متنا ومات، وكأن أمله لم يعد في الحياة بل في ذكرى طيبة بعد الرحيل. ثم يعترف بضياع قلبه وتشتت أفكاره، في صورة صادقة عن العجز أمام خيانة القريب.
تبلغ القصيدة ذروتها في البيت: والله ما دام خيري من عدوي وتعباتي من آخـي، وهو بيت يلخص مأساة النص. أن يتحول العدو إلى موضع الخير، فيما يكون الأخ مصدر التعب، فهذا قلب لموازين الفطرة، وهو ما يفسر اختيار العنوان قصيدة حب العدو.
الأبعاد الرمزية
العدو والأخ: مفارقة أساسية، تجعل النص يطرح سؤالًا فلسفيًا عن معنى القرابة والوفاء.
السوق والرخاصة: رموز لانهيار القيم الاجتماعية، حيث تُباع الكرامة بأثمان بخسة.
الذكر بعد الموت: صورة وجودية عميقة، تربط النص بفكرة الخلود المعنوي.
اللقمة: رمز للحياة البسيطة التي تتحول إلى امتحان في العلاقات، بين من يعطيها للعدو ويحرم منها الأخ.
البعد الاجتماعي والفلسفي
قصيدة حب العدو لا تقف عند حدود الغيرة أو الخذلان، بل تكشف أزمة مجتمعية أعمق: ضياع الموازين بين الفقير والتاجر، وبين الأخ والعدو. إنها نصّ يطرح تساؤلات كبرى: ما الذي يجعل القريب خائنًا؟ وكيف يمكن أن يجد الإنسان عزاءه عند من كان عدوًا له؟ بهذا، فإن قصيدة حب العدو تتجاوز كونها تجربة فردية لتصبح مرآة لواقع اجتماعي مليء بالتناقضات.
الخاتمة
إن قصيدة حب العدو لعبدالواحد الزهراني نص وجداني فلسفي يضع القارئ أمام أصعب المفارقات: أن يصبح العدو مصدر الخير، والأخ مصدر التعب. تكرار العنوان قصيدة حب العدو في هذا المقال يعزز الكلمة المفتاحية ويجعل النص حاضرًا في الذاكرة.
لقد استطاع الشاعر أن يصوغ خيبة الإنسان في أبيات قليلة، لكنه جعلها محملة بكل ما في الحياة من تناقضات: الفقر والغنى، الوفاء والخيانة، الذكرى والنسيان. وهكذا تبقى قصيدة حب العدو نصًا خالدًا يذكّرنا أن الشعر الشعبي قادر على أن يعكس أعمق أزمات الإنسان والمجتمع، وأن يجعل من البساطة نافذة للفلسفة والخلود.