تمتزج في هذه القصيدة ملامح البيئة الصحراوية مع التجربة الإنسانية، حيث يستخدم عبدالواحد الزهراني رمزية الجمل وبيئة “الخبت” — وهي الأرض المنبسطة القاحلة — ليصف مرارة الواقع وصعوبة العيش في عالمٍ يضيق بالكرامة ويُثقل بالخذلان.
القصيدة تعكس رؤية عميقة لمفارقة بين الماضي البسيط والواقع القاسي، بين الحنين إلى الصفاء والخوف من شوك الطريق.
أما في الرد، يقدّم عبدالله البيضاني قراءة واقعية أكثر، يذكّر الشاعر بأن الحياة ليست كلها صحارى ولا شوك، وأن الضعف أمام الظروف لا يبرر الاستسلام، فالتجربة تصقل لا تكسِر.
البدع – من الشاعر عبدالواحد الزهراني
جمل اهل الخبت لو ماكل حماط ولا حـدج بـرك
النوامي يدرج الجـرة وياخذهـا مضـاغ لبانـه
لا تهب للعود سكر مايريـد الا مضـاغ الشـوك
يوم كان الخبت ماكنه بصحرا والجمال مهي بـل
كنت اقل ياليتني راعـي جمـل ياخبـت ليتنـي
ثم شفت العودميال السنام وخفـت مـن سانومـه
الجمـل ماياكـل الا شـوك وشبنـا سنايـمـه
الرد – من الشاعر عبدالله البيضاني
ياعديم المعرفـة ماحـد وزاك ولا حـد اجبـرك
ما ظهر بالفتنه الا شرذمه فيمـا مضـى غلبانـه
وانا كنت احسبك تدري بالذي فيما مضى غشـوك
كم لي اراعيك واداريك واقـل جاهـلا ومهيبـل
كلما جيت ابغـي اسمـح زلتـك يـااخ ابتليتنـي
والشقا خلاني انسى عمري اللي فات وانسى نومه
ان ماهذا زمـان النـوم وشـب النـاس نايمـه
الأبعاد الفكرية
رمزية الجمل والخبت:
يوظّف الزهراني صورة الجمل في بيئة الخبت ليرمز إلى الصبر القاسي والعيش على القليل، فالجمل “ما يأكل إلا شوك”، في دلالة على من يعيش في واقعٍ قاسٍ لا يجد فيه إلا الألم غذاءً له.
الخبت هنا ليست مكانًا، بل رمزٌ لحياةٍ يابسة فقدت المعنى.
من الحنين إلى الصدمة:
يقول الشاعر “ياليتني راعي جمل”، وهي صيغة الحنين للماضي البسيط، قبل أن يتراجع حين يرى أن حتى الصبر له ألم، فيتحوّل الحنين إلى إدراكٍ واقعي بأن البساطة ليست بالضرورة راحة.
الردّ كتصحيح للرؤية:
يأتي ردّ البيضاني بمثابة صوت الحكمة، ينتقد النظرة المتشائمة، ويؤكد أن الحزن لا يبرّر اليأس.
يواجه الزهراني بعبارة قوية “ما حد وزاك ولا حد أجبرك”، ليذكّره بأن الإنسان مسؤول عن اختياراته مهما كانت الظروف قاسية.
فلسفة الزمان والتجربة:
الختام في الرد “ما هذا زمان النوم” يُعيد توجيه المعنى من الشكوى إلى الفعل، ومن الحنين السلبي إلى الوعي بالزمن الذي لا يرحم الغافلين.
هنا نلمح نغمة واقعية، تنبّه إلى ضرورة اليقظة والعمل بدل الانكسار.
البنية الشعورية المشتركة:
كلا الشاعرين يتناولان التعب الإنساني، لكنهما يختلفان في زاوية النظر: الزهراني يرى في الخبت وجعًا متكررًا، والبيضاني يرى فيه اختبارًا لصبر الرجال.
هذا التضاد جعل النصّين يشكّلان معًا لوحة حوارٍ بين الألم والإرادة.
الخاتمة
قصيدة «جمل أهل الخبت» ليست مجرد وصفٍ للجمال أو الخبت، بل تأمل في علاقة الإنسان بالمعاناة والاختيار.
عبدالواحد رسمها بلون القلق، والبيضاني ردّ عليها بلون القوة.
بين شوك الصحراء وشوك التجارب، تبقى القصيدة درسًا في الحكمة: أن الشوك لا يؤذي من عرف طريقه، وأن الصبر وحده يصنع البقاء.