الأعمال الكاملة

للشاعر عبدالواحد الزهراني

https://abdlwahed.com/wp-content/uploads/2025/09/white_bottom_01-big-size.png
bt_bb_section_bottom_section_coverage_image

قصيدة جفّتني بعض الأقطار

اعتزاز

في الشعر النبطي، تتجلّى قوة المعنى حين يتحاور شاعران من طرازٍ رفيع، أحدهما يُطلق الشكوى، والآخر يُقدّم الدواء بالكلمة.
قصيدة «جفتني بعض الأقطار» هي حوار وجداني بين عيضة بن طوير وأ.د عبدالواحد بن سعود الزهراني، تجسّد رؤيتين متقابلتين للحياة والناس — رؤية الشكوى من التغيّر، ورؤية الحكمة في التعامل معه.

القصيدة تنتمي إلى ما يُعرف بـ البدع والرد، حيث يبدأ الأول ببوحٍ حزين، ثم يردّ الآخر بكلامٍ يحمل التوازن والعقلانية، فيتحول النص إلى مناظرة شعرية تُلامس الإنسان والمجتمع.

البدع – من الشاعر عيضة بن طوير

يابو متعب جفتني بعض الاقطار والمنكـر جفـا
والبيّر والمواريد اقطعت ما بقي من مايها جـم
وانا ما ابغي سميح الوجه يكدر ولا ينشا ادعنـه
وآنحن ما تريحنا من اهل الزمـان الا نصايـح
ما ابغي الشمل يتفرق ولا ابغي قلـوب الميتـه
وبلاد الشقا مـن مـا نكابـد شقاهـا صدعّنـا
ما بقا الا ابتعد عنها واشـد القوافـل واضعنـا

الرد – من الشاعر عبدالواحد بن سعود الزهراني

يابن منصور حسيت الكلام الـذي منـك ارجفـا
انت ما تدري ان الشخص في عقر داره ما يهاجم
والذي كان ما ينشد عن الناس ما ينشـد عنـه
اضيع ما كان في الوقت معنا الصداقه والنصايح
كيف تزرع نصيحه في تـراب القلـوب الميتـه
وابن الاجناب يعذر ما بي الا رفيـق صـد عنـا
يالله انظر بعين العطـف حتـى تغيـر وضعنـا

الأبعاد الفكرية
القصيدة كصوتين للزمان الواحد:
البدع يصوّر مرارة الإنسان حين يرى الجفاء من الناس، وكأن الشاعر يصف انكسار العلاقات الإنسانية في زمنٍ تغيّر فيه الوفاء.
أما الرد، فهو الحكمة التي تردّ على العاطفة؛ فعبدالواحد يذكّر بأن اللوم لا يجدي، وأنّ الزمن لا يعود، وأن الإصلاح يبدأ من النفس لا من الآخرين.
عمق الرمزية في الصور:
حين يقول بن طوير: «البيّر والمواريد اقطعت ما بقي من مايها جم»، فهو لا يقصد الماء فحسب، بل رمزية الجفاف الروحي في القلوب والعلاقات.
ويأتي الرد الحكيم من الزهراني: «كيف تزرع نصيحة في تراب القلوب الميتة» — استعارة عميقة تصف قسوة القلوب وانعدام التقبل.
الرسالة الاجتماعية:
القصيدة تفتح ملف “تبدّل القيم”، وتُشير إلى أن الصداقة لم تعد كما كانت، وأن العلاقات في زمن المصلحة فقدت صدقها، لتصبح نصًا شعريًا يحفظ ملامح التغير الاجتماعي في المجتمع السعودي.
التوازن الفني:
البدع يميل إلى الشكوى والعاطفة، بينما الرد يميل إلى العقل والتأمل — فيجمع النص بين وجدان الإنسان البسيط وفكر الحكيم، مما يجعل القصيدة حية ومليئة بالتناقض الجميل بين الحنين والوعي.
البعد الديني والإنساني:
يختم الزهراني القصيدة بالدعاء: «يالله انظر بعين العطف حتى تغير وضعنا»، ليؤكد أن الحل ليس بالهجر أو العتب، بل بالتوجه إلى الله، في استدعاءٍ روحي يرقى بالنص إلى مقام الوعظ اللطيف.
الخاتمة
قصيدة «جفتني بعض الأقطار» لا تُقرأ كحوار بين شاعرين فقط، بل كتأملٍ في إنسان هذا العصر — المتعب من التغيّر، الباحث عن الوفاء.
بين عيضة بن طوير الذي شكا الجفاء، وعبدالواحد الزهراني الذي أجاب بالحكمة، يتجلى التوازن بين الانفعال والاتزان، بين الشعور والفكر.
إنها قصيدة تُذكّرنا بأن الشعر النبطي لا يزال مرآة صادقة لقلوب الناس، وصوتًا يحمل همّ الزمن، وينادي بالعودة إلى صفاء الأصل والنية.

إترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تم وضع علامة عليها بـ *

الأعلى