قصيدة السموم تمثل مواجهة فكرية وشعورية بين الخوف من العالم واليقين في الخير.
في البدع، يصور عبدالواحد الزهراني الحياة كساحة مسمومة، يمتلئ فيها الهواء والزاد والحب نفسه بسمّ الشك والخيانة، فيرمز بذلك إلى فقدان الثقة في الناس وفي المشاعر.
بينما يأتي رد عبدالله البيضاني متفائلًا وهادئًا، ليضع ترياقًا للسم، وهو المحبة الصادقة والتعاون والنية الطيبة.
القصيدة تُجسد الصراع بين الحذر والطمأنينة، بين من يرى السم في كل شيء، ومن يرى أن النقاء لا يزال ممكنًا في القلوب.
البدع – من الشاعر عبدالواحد الزهراني
كلها الارض مسمومه ولا حد يعيش بغيـر سـم
سو ظني يحذرنـي مـن الـزاد وتسمـام حبـه
واللي اروى ضماي اقول ياهل ترى سممت لـي
وانا كنت اعتقد ماغير سم الحناش اللاقصى آفـه
والمنايا كثيـره غيـر سـم الحنـاش اللاسعـه
صرت اشوف الحجر واشرد عنه لا يسممني بريقه
والحبـال اتخيلهـا حيـايـا تسـلـط ريقـهـا
الرد – من الشاعر عبدالله البيضاني
والله يالناجح انه ينعرف لـو يسيـر بغيـر اسـم
والمـوده تلـم اشتـات الارواح وتسمـى محبـه
سوق راس السنه هامد وسـوق المواسـم ممتلـي
ادري ان التحاسـد مايزيدالصـدور الا قصافـه
وادري ان التعـاون مايزيـد القلـوب الا سعـه
لا متى وانحن انصدق سرابـا يخادعنـا بريقـه
لا حجبنا الشموس ولا قدرنـا نصـل لطريقهـا
الأبعاد الفكرية
بين السم والحذر – صورة الوعي المرهق:
يرى الزهراني أن السم ليس في الأكل ولا في المخلوقات، بل في العلاقات نفسها.
الخوف من الخيانة جعله يرى السم في «الحب» و«الحجر» و«الحبال»، أي في كل ما حوله، وكأن الشاعر يعيش حالة من انعدام الأمان النفسي والاجتماعي.
رمزية السم في الفكر الوجداني:
السم هنا ليس مادة قاتلة، بل استعارة عن الأذى المعنوي: الغدر، الكراهية، النفاق.
القصيدة تصور مجتمعًا فقد الثقة، فأصبح الحب نفسه مصدر خطر.
الرد كترياق للألم:
يأتي رد البيضاني كبلسم مهدّئ، يُعيد التوازن بعد هذا الانفجار النفسي.
يرد بالحكمة: النجاح يُعرف ولو غاب اسمه، والمودة تُحيي القلوب كما تحيي الأرض المطر.
بينما التحاسد لا يورث إلا الضيق، والتعاون لا يجلب إلا الرحمة والسعة.
فلسفة التباين بين الشاعرين:
الزهراني يستخدم لغة الخوف والمبالغة التصويرية ليُبرز أثر الجراح،
بينما البيضاني يستخدم لغة النور والعقل، فيدعو إلى ترك الشك والإيمان بأن الخير لا يُحجب مهما تلاعب السراب بالبصائر.
الرسالة الإنسانية:
يتقاطع النصّان في رؤيتهما لطبيعة الإنسان، لكن الفرق في زاوية النظر:
الأول يصرخ من عمق الجرح، والثاني يُطمئن من علُو الحكمة.
كلاهما يكمّل الآخر في معادلة النفس البشرية بين الخوف والإيمان.
الخاتمة
قصيدة «السموم» ليست عن الموت، بل عن الحياة وسط السموم المعنوية التي تلوث النوايا والمشاعر.
الزهراني كتبها من قلبٍ جريح يرى السم في كل زاوية،
بينما ردّ البيضاني عليها بعين القلب الذي يرى النور في آخر الطريق.
القصيدة في مجملها درس عميق في التوازن بين الحذر والثقة، وبين التجربة والرجاء، لتبقى من النصوص التي تجمع قوة الصورة وعمق الرسالة.