الأعمال الكاملة

للشاعر عبدالواحد الزهراني

https://abdlwahed.com/wp-content/uploads/2025/09/white_bottom_01-big-size.png
bt_bb_section_bottom_section_coverage_image

قصيدة السماء ضاقت

وطني

في قصيدة «السماء ضاقت»، تتجلى روعة الحوار الشعري بين شاعرين كبيرين من الجنوب:
محمد بن حوقان المالكي الذي يفتح النصّ بشكوى تفيض يأسًا من تقلّب الدنيا وغموض القدر، وأ.د عبدالواحد الزهراني الذي يردّ عليه بلغةٍ مفعمة بالكرامة، تعيد تعريف القوة بأنها إرادة لا تنكسر أمام الضيق.
القصيدة لا تصف حالة فردية، بل ترسم حالة الإنسان العربي حين تضيق به الحياة ويبحث عن معنى البقاء والنهضة.

البدع – من الشاعر محمد بن حوقان المالكي

السماء ضاقت وقلبي ضاق والدنيا تقل لحد
عالمي مجهول واحلامي سراب وخطوتي ماتلحق
والله اعلم وش بعد يلحق حياتك يابن آدمي
كلنا نعمل لبكرة والله اعلم وش يجي في بكرة
عالم من باقي امس ويطلب المستقبل المجهول
ياحياتٍ ماقدرت اظمن لها حاضر ولا مستقبل
علمتني كيف اسير انسان رغم خلقت انسان
ما حجبت الشمس بكفوفي ولا ادوس القمر باقدامي
لاغنمت من الحياة ولا قدرت الحق دروسها

الرد – من الشاعر عبدالواحد بن سعود الزهراني

يامحمد ليمتى تكتم بصدرك ما تقل لحد
عد همك في عداد الميتين ولا تقل مات الحق
واللي اقفا غير مآسوفٍ عليه ولا بنادمي
شفني ادوس الجمل بجمال واسقي بكرة من بكره
وابني اسد المنيع اللي يرد الوادي المجهول
ما انت بالمعبد ولا انت القبلة اللي ما لها مستقبل
ما انت بالصحراء ولا انت الغابة اللي توحش الونسان
كانت العالم تقل ماني شجاع وتحتقر بقدامي
وانتصب راسي وشابت من سنين الحقد روسها

الأبعاد الفكرية

الفلسفة الوجودية في البدع:
يبدأ محمد بن حوقان قصيدته بصوتٍ يائس، يصوّر حال الإنسان الذي أرهقته الحياة حتى أصبحت “السماء ضاقت وقلبي ضاق”.
ثم يتساءل بمرارة: «والله أعلم وش بعد يلحق حياتك يا ابن آدمي» — وكأنه يعترف بحدود العقل أمام الغيب.
هذا البدع يمثل الوجه التأملي للإنسان في لحظة الانكسار، حين يغدو العالم مجهولًا والحلم بعيدًا.

قوة الردّ كصرخة حياة:
يأتي ردّ عبدالواحد الزهراني بلغةٍ مضادة تمامًا، فيها من الصلابة بقدر ما في البدع من الضعف، فيقول:
«عد همك في عداد الميتين ولا تقل مات الحق» — فيرفض الاستسلام، ويحوّل الضيق إلى حافز للنهوض.
إنها فلسفة التحدي في مواجهة الانكسار، رؤية ترى في الضيق فرصة لصياغة القوة من جديد.

رمزية الجمل والأسد:
في قوله: «شفني أدوس الجمل بجمال وأسقي بكرة من بكره»، يستخدم الزهراني رموزًا بدوية تعبّر عن القيادة والسيطرة على الحياة، ثم يتوّجها بصورة الأسد كرمز للهيبة والسيادة.
بهذا الانتقال من الجمل إلى الأسد، يصوّر رحلة الإنسان من الاحتمال إلى الغلبة.

النزعة الإنسانية في النصين:
كلا الشاعرين يتحدث عن الإنسان لا عن الذات، فـ”ابن آدمي” في البدع هو كل إنسان يتأرجح بين الخوف والأمل، و”الإنسان الشجاع” في الرد هو من يعيد التوازن بالوعي والإيمان.
هذا يجعل القصيدة أكثر من مجرد شعر؛ إنها تجربة فكرية في شكل نبطي شعبي.

البعد النفسي والرمزي:
الزهراني يخاطب روح الإنسان حين تنهزم، ليعيد إليها معناها الحقيقي، فيقول ضمنيًا: “لا تلعن الظلام، أشعل مصباحك.”
فبينما يشتكي ابن حوقان من ضيق السماء، يذكّره الزهراني أن السماء لا تضيق إلا بمن يضيق صدره.

الخاتمة

قصيدة «السماء ضاقت» تمثل مواجهة صادقة بين الحزن والكرامة.
محمد بن حوقان عبّر عن الإنسان الذي أرهقه السؤال، بينما عبدالواحد الزهراني ردّ بلغة الإنسان الذي وجد الجواب.
هي قصيدة تلخّص فلسفة الجنوب في الحياة:

“إذا ضاقت بك الأرض، فارفع رأسك، فالسماء لا تُغلق إلا على من لا يرفع بصره إليها.”

قصيدة تجمع الصدق والعبرة، وتُثبت أن الشعر النبطي قادر على احتواء الفكر الفلسفي العميق دون أن يفقد لهجته الأصيلة

إترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تم وضع علامة عليها بـ *

الأعلى