تُعد هذه القصيدة من أبرز النصوص الاجتماعية التي مزج فيها الشعر بالنقد، حيث تناول الشاعر مفهوم الرفق بالحيوان كمدخلٍ إنسانيٍّ نبيل، ثم وسّع الدائرة لتشمل الرفق بالإنسان نفسه.
وفيها يعبّر الشاعر الأول عن امتنانه لجهود حماية المخلوقات، ثم يفاجئ المتلقي بسخرية لاذعة من واقعٍ يتناقض فيه الشعار مع التطبيق.
يأتي الرد من العمدة الشاعر محمد بن حوقان أكثر حدة وواقعية، كاشفًا أن العدل مفقود حين يتحول الرفق إلى مجرد عنوان، بينما يعاني الفقير في صمت، وتُستغل القضايا الأخلاقية لمكاسب مالية.
البدع – عبدالواحد بن سعود الزهراني
يا هل الرفق بالحيوان مشكورين ومجملين
أنتم أوقيتم الحيتان شر الانتحار الجماعي
والفراشات جاها وعي من نار تنزا لها
ومن أقوى الأسود انقذتم اسراب الظبا وسط غابة
ومنعتم بفضل الله وحيد القرن لا ينقرض
باسم كل الديانات السماوية وباسم العدالة
أسسوا عندنا جمعية الرفق بضحايا سوا
وأكفونا شر نصابين بادمان الحلوم ابتلونا
مثل متعاطي الهروين والا شاربين الكحول
لو أقعد شهر ما ساهمت والا كل فلوسي حرامي
رحت ادور على صخرة عشان أطق راسي بها
الرد – العمدة الشاعر محمد بن حوقان
لا تحسب ومالك بين حسابين ومجملين
اللجان اصبحت ما تنقل الا عبر نقل(ن) جمااعي
والمرابح نهار الاربعاء نرقب تنزالها
اصبح المعدم الغلبان مالي عززة واصطغابه
لا يسلف ولا يوهب ولا يعطي ولا ينقرض
هذي حرب الفقارى من يدس المال جاه العدا له
يا دخلنا السجون المظلمه والا اغتنينا سوا
لو تشاهد وجوه الاغنياء بيتختلف وبتلونا
يوم والا شهر والاسبوع الحول في ملك حول
ما غبن قلبي الا من خذ اموالي وحلل حرامي
لا اقدر اخذ قروشي من يديه ولا اقدر اسيبها
الأبعاد الفكرية
مفارقة الرفق والواقع:
يبدأ الشاعر بنبرة شكر صادقة لجهود حماية الحيوانات، لكنه يُقحم فيها نغمة ساخرة تكشف التناقض في المجتمعات الحديثة، حيث نُنشئ جمعيات للرحمة بالحيوان بينما يُترك الإنسان فريسةً للظلم والاحتيال.
الصورة الساخرة في قوله «أسسوا عندنا جمعية الرفق بضحايا سوا» تختصر مأساة التحول من قيم الرحمة إلى عناوين تجارية.
رمزية “الرفق” كقناع اجتماعي:
النصّ الأول يوظّف الرموز الطبيعية — الحيتان، الفراشات، وحيد القرن — لفضح ازدواجية الإنسانية التي تدّعي الرحمة بالكائنات وتنسى البشر.
بينما في الرد، يكشف ابن حوقان الوجه الاقتصادي للمشكلة: اللجان والمؤسسات أصبحت سوقًا مالية، يتداول فيها النفوذ والربح باسم الخير.
البعد الإنساني والسياسي في الرد:
يعبّر ابن حوقان عن غضب مكتوم تجاه منظومة اقتصادية غير عادلة، يصورها بعبارة: «هذي حرب الفقارى من يدس المال جاه العدا له»، وكأن المال نفسه أصبح سلاحًا طبقيًا.
ينتقد الشاعر بمرارة مشهد الأغنياء الذين “يختلف وجوههم” من النفاق والتلون، بينما البسطاء بين السجن أو الفقر.
القيمة الأخلاقية المغيّبة:
القصيدة بنصّيها تكشف أن الرحمة ليست شعارًا، بل ممارسة.
فالبدع يسخر من «الرفق بالحيوان» حين يغيب «الرفق بالإنسان»،
والردّ يثبّت الحقيقة المؤلمة: المجتمع الذي يظلم فقراؤه، لا تنفعه شعارات الإنسانية.
الأسلوب الفني واللغة الساخرة:
يمتاز البدع بخفة الظل والتهكم الذكي، فيما يجيء الردّ بالواقعية الجارحة، لتلتقي السخرية بالحقيقة في مشهد شعري يعكس وعيًا نقديًا راقيًا نادرًا في الشعر الشعبي.
الخاتمة
قصيدة «الرفق بالحيوان» ليست مجرد دعوة للرحمة، بل صرخة فكرية في وجه التناقض الإنساني.
فيها ينتقد الشاعران عالمًا يهتم بالحيتان أكثر من الفقراء، ويقيم الجمعيات لغير البشر بينما يغفل عن العدالة بين الناس.
تختتم القصيدة بتساؤلٍ خفيٍّ يظل صداه عالقًا:
أيُّ رفقٍ هذا الذي نحمله في شعاراتنا،
إن لم نُتقن الرفق بالإنسان قبل الحيوان؟