في قصيدة «الراعي والذئب والأسد» نعيش مشهدًا شعريًا متكاملًا من الحكاية الرمزية والواقعية معًا.
البدع من نظم الشاعر أ.د. عبدالواحد بن سعود الزهراني، الذي رسم مشهد الرعي والذئب والأسد كمرآةٍ للواقع الإنساني والاجتماعي، أما الرد فكان من الشاعر الكبير محمد بن حوقان الذي أعاد صياغة القصة بروح فلسفية وتجريبية، ليحوّل الحدث إلى تأمل عميق في التاريخ والكرامة والزمان.
القصيدة ليست مجرد سرد لقصة راعٍ وغنمه، بل هي حكاية إنسانٍ يواجه الظلم والخسارة والتاريخ المتقلب.
تُظهر المحاورة بين الشاعرين انسجام الفكرين رغم اختلاف الزاوية، حيث يتحدث الأول بلسان التجربة والوجع، ويرد الثاني بلسان الحكمة والعبرة.
البدع – أ.د. عبدالواحد بن سعود الزهراني
انا من صغرتي ما فتحت عيني الا ارعي الغنم
الله اقوا قواها غنمي كم لقيت من عصاتي
اتفرعن عليها ظلم وانزلبها اشد العذاب
غير لمن عوى الذ يب الغبر ما قدرت اذود عنها
انتزى واخذ اطيبها وانا قاعد اتفرج ةعليه
وانا وقعت توقيعين لا موت ماحمل بندقيه
والا ياما بقلبي ودي اشب كبده واقتله
واخذ الذ يب يعوي نصر واخذت غنمنا بالتلاشي
قالو الذ يبيهزمه الاسد وانتزيت وجبت اسد
والاسد قض راس الذ يب لاكن غدا من بكره جايع
وان لا بدله في كل الاحوال من شي ياكله
قام يفطر علي وحده واعشيه وحده من غنمنا
والغنم غلقت ياليث ماعاد غير انته وانا
اذ بحه كيف انا لو اقدر اذبح ذبحت الذيب قبله
والله ياذيبنا يذكرك بالخير حتي وانت ذيب
الاسد كل حلالي وامس ما عينه الا في كتوفي
يفترسني عشية بعض الايام والا فجرها
الرد – الشاعر محمد بن حوقان
اتفقنا علي الحرب ا ختلفنا علي جمع الغنم
سمها حمق شدة باس والا عصايه من عصاتي
جدي العربي وصاني اشرب علي الشده العذاب
بعد ما كان راعي ذود ويقول عين الذود عنها
راس ماله عصاه وثوب للمتن يتفرج عليه
يوم كان الفتح من بغداد للاندلس للبندقيه
وانتهي سيفي المركون ماعاد عندي وقت له
اكثر ما يزعج التاريخ لا قالو اسكت وانت لا شي
اسكت ابلع لسانك منت صداق واللي جبت سد
الله يرحمك يالتاريخ لا صارت ابوابك رجايع
اللي شيك علي التاريخ ما وثق الشياك له
لا كسبنا في الدنيا مكاسب جميل ولا غنمنا
كل جيل يقول انااللي آجيبها واته وانا
هكذا جيلنا ياذيه بعده وهو ياذي بقبله
مابقي الا علوم تكسر القلب واهموما تذيب
اشتري له حزام ولا يحرر يديني من كتوفي
يا حزام الفشل في سد الا رياع والا فجرها
الأبعاد الفكرية
الحكاية الرمزية: الذئب والأسد ليسا مجرد حيوانات في القصة، بل رموز للشر والقوة، للظالم والمُنقذ، للعدو والصديق الذي يتحول لاحقًا إلى عبء جديد.
الواقعية الشعبية: يستعيد الزهراني ملامح الطفولة والرعي والعجز أمام الخطر، وهي صور من حياة البادية الأصيلة، ليجعل من التجربة الفردية مشهدًا عامًا عن فقدان السيطرة على المصير.
الحكمة التاريخية في الرد: ابن حوقان ينقل النص من التجربة الفردية إلى الدرس الإنساني، فيربطها بالتاريخ العربي من بغداد إلى الأندلس، مشيرًا إلى أن الدورات الحضارية تتكرر — من القوة إلى الضعف، من الفتح إلى الصمت.
صراع الأجيال: حين يقول: “كل جيل يقول أنا اللي أجيبها واتّه وأنا”، يعكس مأساة التكرار والتنافس الداخلي الذي يُفقد الأمة تراكمها الحضاري.
التحول من القوة إلى التأمل: كلا الشاعرين يلتقيان في النهاية عند نقطة الإدراك أن الشجاعة ليست وحدها كافية، وأن البقاء يحتاج إلى وعيٍ يوازن بين الفعل والاتعاظ.
الخاتمة
البدع والرد في هذه القصيدة يجسدان مدرسة شعرية فريدة: مدرسة الموقف والفكر، حيث تتحوّل القصيدة إلى حوارٍ بين جيلين ورؤيتين.
عبدالواحد الزهراني يكتب بلسان المأساة، ومحمد بن حوقان يجيب بلسان التجربة والتاريخ، لتصبح القصيدة مرجعًا وجدانيًا في الأدب النبطي الحديث.
إنها ليست مجرد محاورة بين شاعرَين، بل لوحة تُلخّص فلسفة الإنسان أمام قوّة الحياة وتقلباتها — حين يكون الذئب شرًّا مؤقتًا، والأسد خطرًا مؤجّلًا، والتاريخ شاهدًا لا ينسى.