الأعمال الكاملة

للشاعر عبدالواحد الزهراني

https://abdlwahed.com/wp-content/uploads/2025/09/white_bottom_01-big-size.png
bt_bb_section_bottom_section_coverage_image
اعتزاز

بعد مرور خمسة وخمسين عامًا، نشر الشاعر الدكتور عبدالواحد بن سعود الزهراني قصيدة الحقيقة والضمير، التي تمثل أطروحة شعرية نادرة تمزج بين الشعر النبطي والفكر الأكاديمي. امتثل الشاعر فيها لنظام الحياة وقوانين القناعة بما قسمه الله، بعد سنوات طويلة من البحث عن الذات والتأمل في التجربة الإنسانية.

اتخذ الشاعر في هذه القصيدة أسلوب الباحث الأكاديمي، فطرح موضوعه على شكل رسائل وأطروحات، وجعل من النص أشبه بمناقشة علمية بينه وبين الحقيقة والضمير. بهذه الصيغة، تتحول قصيدة الحقيقة والضمير إلى بحث شعري متكامل يعكس خبرة نصف قرن من التجربة الحياتية والفكرية.

وكما هو شأن الباحث الجاد، واجه الزهراني إحباطات وصعوبات، لكنه تغلب عليها بشجاعة ووعي. النص يبدأ بالسؤال الرئيسي لموضوع البحث: كيف يتجلى مفهوم الحقيقة والضمير في حياة الشاعر بعد مرور خمسة عقود؟ ومن هذا السؤال تتفرع عشرات الأسئلة الأخرى التي يطرحها النص على القارئ، ليجعل من القصيدة بحثًا مفتوحًا لا يكتفي بالإجابات الجاهزة، بل يثير التفكير حول القيم والمبادئ.

القصيدة

تسليم كامل و طاعة مطلقة و امتثال
‏اليوم أنا و الحقيقة و الضمير ( اجلسا )
‏من عمق فكر و قناعة راسخة و اعتدال
‏ماهو من احباط الاحباط يعقب و يخسى
‏صارعت الاهوال يوم الموج مثل الجبال
‏و جف البحر لكن المركب بعد ما رسى
‏خمسة و خمسين عام أشبه بضرب الخيال
‏ما كان صبحي بصبح و لا مساي بمسا
‏لو كنت ما أشتت أوهامي يمين و شمال
‏فاضت عيوني مثل فيضة عيون الحسا
‏اطرح سوال ايتفرع منه مية سؤال
‏على يقين إن إجابتها ( لعل و عسى )
‏و اشري دماغي غصب و أصك باب الجدال
‏ما لانت عزومي إلا يوم وقتي قسى
‏الأرض و اللي عليها تنتهي للزوال
‏ما فيه شي يستحق نعيش لحظة أسى
‏اللي يشوف المية مليون مثل الريال
‏ما هوب فارق معه بأي الثياب اكتسى
‏و اللي يعيش الكفاف و يغتني بالحلال
‏يصير سلطان نفسه ما عليه رووسا
‏و اللي يحصل مساحة في عقول الرجال
‏ماهو بحاجة مساحة في قلوب النسا

الأبعاد الفكرية في القصيدة
قصيدة الحقيقة والضمير تمثل وثيقة شعرية عن الوعي الذاتي والبحث الطويل عن معنى الحياة. يبدأ الشاعر بالتسليم والامتثال الكاملين، وكأنه يدخل قاعة المناقشة الأكاديمية ليعرض بحثه على لجنة مكونة من الحقيقة والضمير. هذه الصورة تجعل القصيدة أقرب إلى أطروحة بحثية، لكنها مكتوبة بالشعر النبطي.
يستخدم الشاعر أسلوبًا متصاعدًا: من وصف معاناته وصراعه مع الأمواج إلى تأكيد عزيمته وصبره على مدى خمسة وخمسين عامًا. البيت الذي يقول فيه فاضت عيوني مثل فيضة عيون الحسا يربط بين تجربته الشخصية والذاكرة الشعبية، في صورة تجمع بين الواقع والرمز.
في منتصف القصيدة، يطرح الشاعر سؤالًا يتفرع إلى مئة سؤال، إشارة إلى بحثه المستمر عن إجابات الحياة. هذه الصورة تجعل قصيدة الحقيقة والضمير نصًا تأمليًا أكثر من كونه مجرد قصيدة وجدانية؛ إنها بحث مفتوح في الأخلاق والقيم.
الأبيات الأخيرة تلخص فلسفة النص: الدنيا زائلة، لا يستحق العيش فيها لحظة أسى، الغنى الحقيقي في القناعة، والسلطة الحقيقية في أن يكون الإنسان سلطان نفسه. هكذا يربط الشاعر بين تجربته الزمنية الطويلة وبين قيم الحقيقة والضمير، ليقدم للقارئ دروسًا في الحكمة والصبر.

أبعاد القصيدة
الحقيقة: تظهر ككيان حي يناقش الشاعر ويختبره، وليست مجرد مفهوم نظري.
الضمير: قيمة إنسانية عليا، يراها الشاعر محركًا لمواقفه واختياراته.
الزمن: خمسة وخمسون عامًا تتحول إلى مختبر لتجارب الإنسان بين العزم والانكسار.
القناعة والحرية: من يغتني بالحلال يصبح سلطان نفسه، وهذه ذروة الفلسفة الأخلاقية في النص.
الخاتمة
إن قصيدة الحقيقة والضمير لعبدالواحد الزهراني ليست مجرد أبيات شعرية، بل أطروحة إنسانية تعكس رحلة بحث طويلة عن القيم والمبادئ. تكرار العنوان قصيدة الحقيقة والضمير في المقال يرسّخ الكلمة المفتاحية ويؤكد أن النص يشكّل إضافة نوعية للأدب الشعبي والفكر الإنساني في المملكة.
لقد جعل الشاعر من نصه درسًا في الصبر والوعي، وصاغ فيه خلاصة تجربته الشخصية والفكرية على مدى نصف قرن. وهكذا تبقى قصيدة الحقيقة والضمير وثيقة شعرية تحمل رسائل أخلاقية وفكرية للأجيال، وتظهر كيف يمكن للشعر أن يكون مرجعًا معرفيًا، لا مجرد انفعال عابر.

إترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تم وضع علامة عليها بـ *

الأعلى