يقدّم أ.د عبدالواحد بن سعود الزهراني في قصيدته «التقليد الأعمى» لوحة شعرية تعكس عمق فكره الإنساني والاجتماعي، فهو لا يكتفي بالنظم، بل يضع أمام المتلقي مرايا نقدية تكشف خلل التقليد، وضياع الذات، ومرض الحسد.
القصيدة تجمع بين السخرية الأدبية والموعظة البليغة، بأسلوبٍ نبطيٍّ أصيلٍ يترجم حكمة الحياة في صورٍ من واقع الناس، ليذكّر أن التفرّد فضيلة، وأن من يقلّد غيره يفقد صوته وهويته.
ولأن الشاعر يملك من الوعي ما يجعله ناقدًا لذاته ولبيئته، فقد كتب البدع والرد بنفسه، ليحوّل النص إلى حوار داخلي بين ضميرٍ واعٍ ونفسٍ تتعلّم الاتزان.
البدع
قال ابو متعب التقليد الاعمى يضـر ولا يسـر
أضيع الضايعين اللي معه موهبه ويقلـد ابهـا
مثل من يلبس الثوب القبيح الذي ما هو بلـه
والغراب اقبح طيور السما لا يظن انه يمامـه
والثعيلب صغير الناب لا يحسبنـه راح اسـد
والعشر في ديار الخبت معروف ما هلا عضاها
ياعشر ندري انك ماانت طلحٌ نظيد ولا انت راك
نعلبـو ديـرةٍ حتـى عشرهـا يقلـد راكهـا
الرد
يا الله اعوذ بك من كل شـرٌ يقربـه الليسـر
بعض الارواح تتمرد على ربهـا وتقـل ادبهـا
ليت الانسان ما يحزن على رزقه الماهوب لـه
يبصر الامر بالمعروف بين البشر وانه يمامـه
ما يشوف الوحيد اللي يرى محقره ويرى حسد
والله ما دام قلبك يحسد الناس وتدور عضاهـا
فالعيون التي تلمح لها لن تجـدك ولـن تـراك
الحسد يعمي الابصـار حتـى يقـل ادراكهـا
الأبعاد الفكرية
نقد التقليد وضياع الهوية:
يصور الشاعر التقليد الأعمى كداءٍ يصيب المجتمعات حين تفقد وعيها بذاتها، ويشبّه من يقلّد بغير وعي بـ«الغراب الذي يظن نفسه يمامة» و«الثعلب الصغير الذي يتخيّل نفسه أسدًا» — تشبيهات جريئة وعميقة تكشف أثر الغرور وضعف الوعي.
الوعي بالاختلاف والتفرّد:
في البدع، يلفت الزهراني النظر إلى أن لكل إنسان ثوبه الذي يليق به — مجازيًا ومعنويًا — وأن محاولة تقليد الآخرين ليست تطورًا، بل تراجع عن الذات.
الردّ كموعظة وتوبة فكرية:
الردّ يكمّل الرسالة الأخلاقية بتحوّل الخطاب من النقد إلى الدعاء: «يا الله أعوذ بك من كل شر يقربه الليسر»، وهنا يعلو صوت الحكمة على صوت العتب.
يتأمل الشاعر في الحسد كأحد أشكال الغفلة، فيقول: «الحسد يعمي الأبصار حتى يقل إدراكها» — خاتمة تحمل درسًا إنسانيًا رفيعًا.
التكامل بين النقد الأخلاقي والاجتماعي:
القصيدة تسير في خطين متوازيين: إصلاح الفرد بإدراك عيوبه، وإصلاح المجتمع عبر نبذ المظاهر الزائفة. هذه المزاوجة بين الخاص والعام من أبرز سمات شعر عبدالواحد.
البناء الجمالي:
رغم قوة المعنى، حافظ النص على إيقاعه النبطي السلس وصوره الحسية القريبة من المتلقي، ما جعلها قصيدة وعظية راقية تصل إلى العامة بلغة مألوفة وأسلوب مؤثر.
الخاتمة
في «التقليد الأعمى» يبرهن أبو متعب أن الشعر يمكن أن يكون مرآة للوعي، وأن البلاغة الحقيقية ليست في زخرفة اللفظ بل في صدق الرسالة.
قصيدة تبدأ بالنقد وتنتهي بالدعاء، تجمع بين الحكمة والرمز، بين التجربة الشخصية والرؤية الإنسانية العامة.
وفي زمنٍ يتشابه فيه الناس، تأتي هذه القصيدة كتذكيرٍ أن الأصالة ليست ترفًا، بل ضرورة تحفظ قيمة الإنسان وتعيد له بصمته في الحياة.