قصيدة البارحة للشاعر عبدالواحد بن سعود الزهراني واحدة من النصوص التي تضيء جانبًا إنسانيًا حساسًا في تجربة الشاعر، وهو جانب الصراع مع الأرق وهموم الليل. منذ البيت الأول حين يصرّح قائلاً: يعلم الله ما أدري كيف عدت علي البارحة، يجد القارئ نفسه في مواجهة لوحة شعرية تحاكي معاناة الكثيرين، حيث يغيب النوم ويثقل الضمير وتتشابك الأفكار في ظلمة الليل.
إن اختيار العنوان قصيدة البارحة لم يكن مجرد تسمية عابرة، بل جاء ليعكس حالة كاملة ترتبط بالليل، بالعجز عن النوم، وبالانشغال الداخلي. هذا النص لا يقف عند حد الشكوى، بل يتجاوزها إلى بناء ثنائية شعرية تجمع بين البدع والرد، وهو فن معروف في الشعر الشعبي يقوم على طرح صورة أو معاناة في البدع، ثم الرد عليها بمعنى يوازن أو يكمل الصورة. وهكذا تصبح قصيدة البارحة مرآة لرحلة داخلية من الضيق إلى البحث عن الاتزان.
البدع / عبدالواحد
يعلم اللة ما ادري كيـف عـدت علـي البارحـة
ليلة البارحة اقلقني عذاب السهر وازريـت انامـا
كـم تحملـت لكـن ليلـة البارحـة يـا ثقلـهـا
شفت غيري يجية النوم من ساع ما يتوسـد ايـدة
وانا منمت رغم اني ملكـت اللحايـف والسـرور
صدق الراوي اثر النوم ما يجلبـة كبـر الوسـادة
ياعذاب الضمير احرمتنـي مفرشـي ولحـا فيـة
الرد / عبدالواحد
احمد الله مـا ضاقـت علـي الطريـق البارحـه
ابيض القلب لاجرمي تعاظـم ولا وزري تنامـى
ما لزم كفـي الافـي الحبـال التـي ياثـق لهـا
اقعد اعد ساعات الحزن واحسب اوقـات السـرور
عشت مابيـن محكـوم وحاكـم وخـدام وسـاده
قصيدة البارحة تجسد ببراعة لحظة وجدانية يتقاطع فيها الجسد مع الروح. في البدع، يصف الشاعر كيف غلبه الأرق وأثقل عليه الليل، وكيف تحولت الراحة الظاهرة – من فراش ولحاف – إلى عبء يزيد العذاب، لأن النوم الحقيقي لا يجيء بالوسادة بل بالطمأنينة. ثم يوجّه النظر إلى الآخرين، كيف ينعمون بالنوم بينما هو يبقى أسير التفكير والهموم، وكأن الضمير يطارده ويمنعه من الراحة.
لكن النص لا يقف عند هذه الصورة، إذ يأتي الرد ليعيد التوازن: هنا يُدخل الشاعر القارئ إلى مساحة من التسليم لله والحمد على ما هو قائم. أحمد الله ما ضاقت علي الطريق البارحة؛ هذه العبارة تكشف عن انتقال من الضيق إلى الرضا، ومن الأرق إلى السكينة الروحية. العنوان قصيدة البارحة يتحول في هذا السياق إلى رمز للثنائية: بين معاناة ليلٍ ثقيل، وتسليمٍ يفتح باب الأمل.
هذا البناء المزدوج يجعل من النص مثالًا على قدرة الشعر الشعبي على حمل القضايا الإنسانية الكبرى، فهو ليس مجرد وصف عابر للأرق، بل تأمل في معنى الضمير، في ثقل الحياة، وفي قيمة الشكر.
إن قصيدة البارحة لعبدالواحد الزهراني تكشف أن الشعر قادر على أن يحول تجربة شخصية – مثل ليلة أرق – إلى نص عام يتقاطع مع تجارب الناس جميعًا. تكرار العنوان قصيدة البارحة في هذا المقال يعزز حضوره ككلمة مفتاحية، ويؤكد أن النص علامة فارقة في مسيرة الشاعر.
لقد أبدع الزهراني في أن يجعل من البدع مساحة للبوح بالهموم، ومن الرد فسحة للطمأنينة والتسليم. هكذا تتحول قصيدة البارحة إلى نص متوازن يجمع بين الألم والأمل، بين الشكوى والشكر، وبين الليل الثقيل والرضا الذي يتبعه. وبذلك تظل القصيدة أثرًا خالدًا في الذاكرة الشعرية، يذكّر القارئ بأن حتى أصعب اللحظات يمكن أن تصبح نصًا أدبيًا يبث السلوى والسكينة.